يعلن الليل عصيانه لم يعد ممكناً أن تحاصر هذا العراء وحيداً، لأنّ الظلام يشدّ الوثاق عليك، يحثّ الخطى، صوب عزلتك الأبدية، حيث البنايات تجلس عارية، تتضاءل شيئاً فشيئاً. كأنّ الفتى ما زال منتظراً، قبل أن يعلن الليل عصيانه. لم يعد ممكناً أن تخبّئ هذا اليمام الجنوبيّ في الصدر سوف تطلقه، كي يحاور خفقته، ويعاشر نعناعه دون ثرثرة. هل ستنهض بين المدى والمداد؟ تباغتُ قيد الحنين؟ تحسّسْ نواياك في يقظة، كي تحلّ وثاق الظلام. كلام آخر الليل.. لا شيء يبقى، سوى قلقي، وكلام أخذْتُ أدوّنه، يتقدّم كالظلمات، تجمّد في لغتي فزعاً. كان يرفع رايته، ثم يوقد فانوسه قرب نافذتي.. أعطني مشعلاً، كي تنام الطبيعة في ثوبها، والينابيع تنبض في رئتي. هكذا يتصاعد من وسْط نيرانه، كاد يمسك حشد الغيوم، يبعثرها في الميادين. ما زال يعزف هذا النشيد العنيف، يرافقه وله في العيون، غناء العصافير، رغم شحوب مناقيرها. كان لا بدّ أن يتعلّق بالأرض، أكثر مما عليه هو الآن.. أزمنة من رماد الحكايات والخوف، تدخل غرفته، ثم تُملي عليه شروطا ملوّثة، وتحاول أن توقف الشعر، في ورق يشبه الزوبعةْ. على فرحٍ جموح ولدٌ من الفرح الملوّن، تجلس الحارات فوق زنوده السمراء، يضحك للجهات، شروق شمس كان يسبق خطوه. هذا الفتى الآتي على فرحٍ جموح، خيله ونخيله، في الأرض ترسم نجمة منحتْه فيض طِباعها، لتصير أشبه بالحياة يذوب فيها كي يكون رواية، أو حقل ورد في القرى. كان الفتى كالمستحيل، يصوغ بعض غموضه، لم يعرف الأولاد سيرته، هواجسه على مهل تسير، تُغيّر المجرى، فتحمي السالكين من الخراب! كفنٌ لا يليق بفقري يداك هما الباب أدخلُ؟ لن يلمح العابرون ظلالي أكنّا وحيدين نمشي، كأنّ البيوت تنام على سرّنا. السراب ردائي، نسيت الطيور التي تثقب الروح، حين تميد بيَ الأرض. من سيشرّع هذي النوافذ، تبدو ليَ الآن أبعد مما أظنّ.. سأرسل ورداً إليك فقط، افتح الباب، موحشة حجرتي، وضواحي الفؤاد حصى وغبار غنائي تيبّس في الحلق إنّ رجالاً يزورون أحلامنا، ثم لا يهتدون.. الوجوه الكئيبة تذهب مسرورة لمرايا الضجيج الميادين تسكنني، وتهيّئُ لي كفناً لا يليق بفقري. أنا ولد مغرض، جاء يخرج أصحابه من جنان الغواية والنزوات، إلى حيث شاء، تماماً كما في جنازاتنا، يتعرّى السؤال، ويعلن عن موته واقفاً. ريح صرصر في الروح إلى عينيك تأخذني الكواكب إنْ أردت العشق، واختالت على جسدي ثياب الرغبة السفلى أنا المجنون يهجس قبل مولده جثتْ نار الغواية بين أعضائي، وصفّقت الطيور الخضر أستدعي الغريزة حين تأكل من حشائش ليلها الوحشيّ أنزع عنك أمشاج الحكاية هكذا تتعلمين الحب من فوضاي هل عدنا علامات على أجسادنا الغرقى؟ أنا البرق اليمانيّ، الشبابيك استعدّت للغموض العذْب، ريح صرصرٌ في الروح، أنثى كالحدائق أنت تأخذني إلى عينيك أغنيتي. * شاعر سعودي.