كتبت سابقا عن تطور مصطلح عناصر الإنتاج من المفهوم «المدرسي» قبل نصف القرن الذي كان يحصره في العمل والمواد الأولية ورأس المال كمعدات وآلات إنتاجية، وتأثره بثورة المعلومات ثم بعوالم التقنية التي حصرته في المعلومة التي يتحكم مالكها في كامل العملية الإنتاجية، وشيئا فشيئا أخذ مفهوم رأس المال يسيطر على تبعية بقية عناصر الإنتاج حتى انفرد هو بالمعنى كاملا، ما يتقنه العامل هو رأس ماله، وما يملكه الفرد أو الدولة من مواد أولية هو رأس مالها، وذات الشيء يمكن قوله عن المعدات والآلات الإنتاجية، وبسيطرة هذا المفهوم بدأ كثيرون يراجعون مفهوم رأس المال وخطورة تراكمه بيد قلة من الناس أو الدول، لم يكن أولهم أب علم الاقتصاد الحديث آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» مرورا بكارل ماركس وكتابه ذائع الصيت «رأس المال» وربما يكون آخرهم الفرنسي توماس بيكيتي في كتابه «رأس المال» الصادرة نسخته الإنجليزية العام الماضي عن جامعة هارفارد فأحدث ضجة ما بعدها ضجة في علم الاقتصاد. يزعم بيكيني أنه لم يطلع على كتاب ماركس الصادر عام 1867 برغم أنه راجع ذات القرون الثلاثة السابقة التي راجعها ماركس، ويقول، وهو محق هنا، إن منطلقاته مختلفة، فكرة بيكيتي الأساسية أن عدم المساواة في توزيع الثروة واحتكارها دوليا مع مرور الزمن وغياب مبدأ الضرائب أو ضعفه سيؤدي إلى تآكل الطبقة الوسطى وإلى سيطرة الجهات الأكثر ثراء لا على 90 % من ثروات العالم بل ستصل النسبة إلى 100 % بمعنى تراكم رأس المال..(لمحبي القراءة نشرت المدينة صفحة كاملة عن الكتاب بتاريخ 19 فبراير هذا العام) ولعل هذا يذكركم بكتاباتي المتكررة عن كتاب «التراكم على الصعيد العالمي» للاقتصادي المصري الفذ سمير أمين الذي أحدث هو الآخر ضجة كبيرة في عالم الاقتصاد عندما صدر أول مرة بالفرنسية قبل نحو ثلاثين عاما ثم تلاقفته لغات العالم. تذهب فكرة بيكيتي أعمق من ذلك ما دفع كثيرون للإشادة بكتابه، منهم الاقتصادي قليل الكلام بول كورغمان الحائز على نوبل في الاقتصاد بالقول إنه يدفع لمراجعة كيفية التفكير في المجتمع وطرق ممارسة الاقتصاد، هي ذات الفكرة تتكرر كلما عم الابتلاء بمخرجات الفكر الرأسمالي، وهي ذات الفكرة القرآنية العظيمة «حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم»، يوصي بها اقتصاديون عظماء أزالوا من أعينهم غشاوة الشهوة المالية المؤدية لتكدس الثروات وأكياس المال الممتلئة على طرف ما من السفينة ما يؤدي إلى غرق السفينة بكامل ركابها.