القيادة تعزّي رئيس أذربيجان    %91 غير مصابين بالقلق    وهم الاستقرار الاقتصادي!    «لا تفتح لهم باب» في محطته الرابعة بالأحساء    تدشين أول مدرسة ثانوية للموهوبين في التقنية    فيصل بن مشعل يرأس اجتماع تنفيذية الإسكان التنموي بالقصيم    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    الربيعة يلتقي سفير دولة فلسطين لدى المملكة    "مصعب الجوير" يحقّق جائزة رجل مباراة الأخضر واليمن    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    تعاون علمي وتدريبي بين جامعة أم القرى وجامعة هونغ كونغ    أفراحنا إلى أين؟    الدفعة الثانية من ضيوف الملك يصلون مكة    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    «التخصصي» يتوج بجائزة التميز العالمي للتقنية    العثور على الصندوق الأسود للطائرة الأذربيجانية المنكوبة    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    فشل كل المحاولات لوقف النار في غزة    روسيا وأوكرانيا.. تصعيد حرب البنى التحتية ومحطات النفط    مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية يشهد حفل ملتقى «أبشر» العاشر للتحول الرقمي    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    افتتاح فرع هيئة الصحفيين في جدة والساعد مديرًا له    هيئة المسرح والفنون الأدائية تطرح رخصها على منصة "أبدع"    رينارد يكشف ل«عكاظ»: غرفة الملابس سر فوزنا    الراجحي يشارك اجتماع وزراء التنمية الاجتماعية العرب    اللهيبي: النظام يوحّد ويجوّد منظومة الدعم الفني    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالدفاع المدني    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    الاتحاد السعودي للهجن يكشف تفاصيل البرنامج الزمني لمهرجان خادم الخرمين الشريفين 2025    تركي آل الشيخ يتصدر أكثر الشخصيات تأثيراً في عالم الملاكمة لعام 2024    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    أمير الشرقية : الدكتور عبداللّه الربيش قدم جهوداً مميزة ومقدره    هارون الزبيدي يسجل أول أهداف منتخب اليمن تاريخياً بشباك منتخب السعودية في كأس الخليج    «تقييم الحوادث»: قوات التحالف لم تستهدف «مستشفى باقم» ولا «اليتمة» ولا مدنيين    تنفيذ حكم القتل قصاصاً بإحدى الجانيات في منطقة الرياض    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    "السويلم" يدعم مستشفى البكيرية العام لتأمين عددًا من الأجهزة الطبية    صحيفة الرأي الالكترونية توقّع شراكة مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    السعودية وقطر تعقدان الاجتماع الثاني للجنة التنسيق الأمنية والعسكرية    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    الدوري قاهرهم    استدامة الحياة الفطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزمان والسرد في «الأيام لا تعود»
نشر في عكاظ يوم 21 - 05 - 2015

منذ العتبة الأولى يطالعنا السرد في «الأيام لا تعود» وجها لوجه أمام سؤال الزمان، فلكل شيء في هذه الرواية علاقة متينة به، فهو قادح الكتابة ودافعها، وهو محرك الأحداث وقاطعها، يصرف الشخصيات ويحول الأمكنة وعلى إيقاعه تسير كل مكونات الرواية. ويمكننا أن نستجلي العلاقة بين الزمان والسرد في مستويات شتى:
1
العنوان:
ورد العنوان جملة اسمية مركبة طرفاها مبتدأ مفردة تعلق بالزمان بشكل مباشر «الأيام»، وخبر جاء في شكل تركيب إسنادي فعلي «لا تعود». أما العلاقة بين المبتدأ وخبره فإنها تتخطى مجرد الإسناد أو الإخبار إلى علاقة دلالية مخصوصة قامت أساسا على النفي، فقد كان بإمكان الكاتب أن يقول لنا «الأيام تمضي» أو «الأيام تغيب» غير أنه تجاوز هذه الممكنات للتركيز على معنى العودة دون سواه. الزمان يمضي دون توقف وتلك سمته ولكن الإنسان ما ينفك يحلم بعودة ما، لذلك ورد الخبر منفيا «لا تعود» ليضع هذا الكائن الهش أمام قدره: ما يمضي لا يعود، ونحن لا ندخل النهر ونستحم من مياهه نفسها مرتين. فما هي علاقة العنوان بمتن الكتاب؟ وما هي الوشائج التي تربط الزمان المعلن عنه في العنوان بالحكاية التي تتضمنها الرواية؟
اقتطف العنوان من جملة وردت على لسان إحدى الشخصيات في الصفحة الثالثة والستين بعد المائتين: «تحدثا عن ذكريات طفولتهما فهش قلبه لذكر تلك الأيام وبراءتها وتمنى لو أنه لم يعش ليرى هذا اليوم. قال: أيام طفولتنا الجميلة مضت والأيام لا تعود»، وبذلك يعقد العنوان مع الرواية علاقة جزء بكل، وتتكثف فيه دلالات الحنين إلى حقبة من ذاكرة الشخصية المتلفظة وذاكرة الكاتب معا وهنا لا بد من الإشارة إلى العلاقة التي يعقدها الزمان بالذاكرة. وهي علاقة لا يمكن فهمها إلا بالعودة إلى القصة الأساسية في هذه الرواية. فما الذي يود أن يخبرنا به سعيد شهاب في هذا الأثر؟
تنطلق الرواية بحدث وليمة عشاء في بيت رحيل البدوي إكراما لصديقه ظاهر الذي استجار به بعد أن قتل أحد أقاربه وجاء هاربا بأهله من قبيلته في الصحراء السورية، فيخيل إلينا في البداية بأن الرواية ستدور حول هذا الحدث وبأن ظاهرا ورحيلا شخصيتاها المحوريتان ولكننا كلما تقدمنا في القراءة لم نجد سوى جملة من الأحداث الجزئية لا رابط يشدها إلى الحدث الأول غير حياة البدو في حلهم وترحالهم، وغير التحولات التي طرأت على هذه الحياة بكل ما تحمله من قيم وعادات وتقاليد بعد اكتشاف النفط وبداية ظهور المدينة، وبذلك يتلاعب بنا سعيد شهاب ويورطنا في ذاكرة المكان وقد كان ضاجا بحياة البدو قبل أن تعصف بها رياح المدينة ويغدو مجرد رسم دارس. حينها نكتشف أن الحكاية مجرد تعلة لانتشال هذه الحياة من النسيان وتأبيدها في شراك اللغة. ولكن لماذا اختار الكاتب لعمله جنس الرواية؟ لماذا لم يقدم لنا كتابا في التاريخ أو غيره من العلوم الكفيلة بحفظ هذه الذاكرة من التلاشي والغياب؟
غالبا ما تعرف الحياة بوصفها صيرورة متبدلة ومتغيرة باستمرار، وكذلك القص، فهو التقاط لجملة من العناصر وإدماج لها في صيرورة حية، وإذا كانت الحياة تمضي دون رجعة ولا تخلف لنا غير ركام من الآثار، فإن وظيفة القص هي نفخ الروح مجددا في تلك الآثار. هل يعني ذلك أن القص محاكاة لما يحدث على مسرح الحياة؟ إن تعريف القص بوصفه محاكاة يجرده من كل طاقة تخييلية، لذلك فإن القص هو شرط الحياة وليس مجرد أداة لفهمها، فالحياة تتحول وتمضي ولا يبقى منها غير القصة، وما نراه الآن حياة سيغدو بعد قليل قصة حياة. فكل شيء منذور للتحول والنسيان ولا تصمد غير الحكاية، وهي إذ تظل بيننا لا تقدم نفسها بوصفها إمكانا بل بوصفها حقيقة. إن هذا التصور هو الذي يكشف حسب رأينا عن المفارقة التي يضعنا أمامها العنوان، فهو يخبر عن شيء والمتن يخبر عن عكسه، يقول لنا العنوان «الأيام لا تعود» والزمان يمحو بيد الغياب كل شيء، ويقول لنا متن الرواية إن ما يفلت من يد الزمان قصة تروى، وإن كل ما يبقى من حياة البادية إنما قصة البادية وقد تكفل سعيد شهاب بقصها علينا بكل تفاصيلها. ألا يعني القص في إحدى دلالاته اللغوية تقفي الأثر؟
2
زمان القصة وزمان الخطاب:
يميز علماء السرد بين القصة والمقصود بها الوقائع كما حدثت في الواقع أو كما يفترض أن تكون في تسلسلها المنطقي، وبين الخطاب بوصفه تصريفا مخصوصا لتلك الوقائع. وتعد المدة من أبرز مظاهر الاختلاف بين زمان القصة وزمان الخطاب، فإذا كان زمان القصة أكبر من زمان الخطاب فإن السرد ينزع نحو الإجمال والحذف والإضمار وإذا كان زمان الخطاب أكبر من زمان القصة فإن السرد ينزع نحو التفصيل والقص النفسي والوصف.
ولما كانت غاية الكاتب من هذا العمل متمثلة أساسا في استحضار حياة البدو بكل تفاصيلها ورصد لحظة التحول التي طرأت عليها وعصفت بهذا الإرث الكبير من القيم والأعراف والتقاليد، فقد هيمن زمان الخطاب على زمان القصة، فلا يكاد السرد يتقدم حتى يحد من تدفقه الوصف، وكأن الكاتب لا يفوت موقفا أو حدثا من حياة البدو اليومية دون أن ينقله لنا بكل تفاصيله وأكثر جزئياته دقة. ولنا أن نتأمل مطلع الرواية حتى نستجلي هذا الهاجس الذي سيظل يتحكم في أسلوب الكتابة حتى نهايتها:
«حول نار الشتاء المتوقدة بهشيم الروثة اجتمع رجال القبيلة في بيت رحيل البدوي لحضور وليمة العشاء التي يقيمها تكريما لصديقه ظاهر الذي جاء هاربا بأهله يحث الركاب من قبيلته في الصحراء السورية طالبا للجوار بعدما ابتلي بدم أحد أقاربه (...).
الجو بارد والرياح المحملة برائحة الأرض الممطورة تعصف بأطراف بيت الشعر الممكن جيدا في الأرض تستدير عليه ربيعة تتفقد أطنابه وأوتاده بينما تنشغل رقية بتحضير العشاء، يعانين من ابتلال الحطب ودخانه الكثيف لكنهن يتابعن حشو الهشيم تحت القدر الكبيرة، يفوح بخارها العابق بروائح البهارات، فيختلط بالدخان ويتخلل ظلمة بيت الشعر، يفركن أعينهن ويتلذذن بالدفء في هذه الليلة الباردة مع أن الوقت لا يزال في بواكير الشتاء، وبينما تحاجز أم هزاع الأطفال عن النار وتعتني بالصغير الذي يعاني من الحرارة والإسهال، تتردد أمه القلقة بينه وبين القدر الكبيرة تتناوله من حجر جدته، تجس رأسه وتنظفه ثم تضع في لباسه بعضا من دمن الإبل المطحون ليمتص عنه الرطوبة... (ص ص 7-8)
ففي هذا المقطع لا يكتفي الكاتب بتقديم الحدث الرئيسي وهو وليمة العشاء على شرف الضيف الوافد على آل البدوي فحسب بل إنه ينقل لنا الأجواء بدقة داخل بيت الشعر الذي تعصف به الريح فيصور لنا النسوة وهن يتقاسمن الأدوار: تتفقد إحداهن أطناب بيت الشعر وأوتاده، وتعمل إحداهن على إشعال الحطب وتحضير العشاء فيما الدخان الكثيف يدمع أعينهن، فإذا اعتقدنا أن المشهد حكر على حدث العشاء، أضاف الراوي إلى لوحته تفصيلا صغيرا يتمثل في ارتفاع حرارة الطفل وطريقة معالجته بدمن الإبل المطحون فإذا بنا أمام لوحة تكاد تنطق حياة وهي تنقل لنا صراع البدوي مع الطبيعة وتآزر النسوة في تصريف شؤونهن.
إن هذه النزعة التسجيلية هي التي جعلت إيقاع الرواية إيقاعا متقطعا لا يكاد يسترسل السرد فيه بعرض الواقعة أو الحدث حتى يترك المجال للوصف ليضعنا في صلبه. ومن هذا الإيقاع اكتسبت الرواية بنيتها المخصوصة، إذ صارت أشبه بالسلسلة المتكونة من حلقات، كل حلقة فيها لوحة من لوحات حياة البدو في حلهم وترحالهم، لوحة تصور لنا حماية الخيام والقطيع في العاصفة (ص11)، ولوحة تصور لنا غزواتهم في ما مضى وطرائق تعاملهم مع أعدائهم كإطعام الأسرى ومداواة جراحهم (ص9) ولوحة تنقل لنا عاداتهم مع الضيف بإطفاء السراج حين يقدمون له الطعام (ص 125) ولوحة ترصد شجار الفتية وعادات الأمهات الغريبة حين يصاب أحد أبنائهن (ص 104) والراوي وراء ذلك كله راو عليم بالأحداث وبما يعتمل في صلب الشخصيات لا يتردد في سبر أغوار الفتاة البدوية وهي تحلم بزوج المستقبل ولا في إبراز الرابطة التي تشد البدوي إلى فرسه.. وعلى الرغم من أن الكتاب ليس سيرة ذاتية فإن الراوي كثيرا ما يتطابق مع الكاتب ويبرز ذلك من خلال بعض التحاليل والتعليقات التي تبرز تدخل الكاتب بشكل مباشر.
إن هذه الأمثلة وغيرها مما يضيق المقام لتفصيل القول فيه تبرز أن الزمان المهيمن على هذا العمل هو زمان الخطاب، أي زمان الكتابة وهي تحاول بهذا المنحى التفصيلي أن تكون بديلا من ذلك الزمان الآخر الذي ولى وانقضى.
3
الزمان والفضاء:
لا يمكن للزمان بوصفه مكونا روائيا يتعلق بصيرورة الأحداث والمدة التي تستغرقها أن يكون بمعزل عن الفضاء الذي تتحرك فيه، ونحن لا نعني بالفضاء في هذا السياق الإطار المكاني فحسب بل يشمل الفضاء كذلك كل مكونات الإطار المكاني من عناصر وموجودات. والرواية يتنازعها فضاءان متناقضان: فضاء صحراوي يكاد يكون زمانه زمانا أسطوريا دائريا منطلقه منتهاه ما دامت الطبيعة قد فرضت على البدو الباحثين عن الكلأ والماء حياة أشبه بدورة الفصول قوامها الترحال من مكان إلى آخر في حركة دورية لا تكل. وفضاء حضري قوامه الاستقرار والزمان فيه ميقاتي خطي بالأساس. وقد شهد الزمان في الرواية تحولا بتحول حياة البدو، وتسرب مكونات الفضاء الثاني إلى الأول، ومن هذا التداخل حسب رأينا تبرز النزعة الدرامية في هذا العمل، فقد تفنن الكاتب في رسم جملة من اللوحات المتناقضة على امتداد الرواية تكشف عن هذا التداخل بين الفضاءات. فمشهد الرجال متحلقين حول الراديو يستمعون إلى إذاعة صوت العرب ويتناقلون عبارات عبدالناصر الثورية أو ينصتون إلى برنامج شعراء البادية (ص 286) قد حل بديلا من مشهد الرجال وهم يتجادلون حول معركة غدير العظام التي خاضها آباؤهم الأماجد ضد قبيلة الحاشم، يأتي هذا بقصيدة تؤيد وجهة نظره ويستشهد هذا بأقوال من أدركهم من السابقين (ص 8)، ومشهد الأمريكي يقدح النار بقدحة واحدة من قداحته المعدنية وهزاع البدوي ينظر مذهولا (ص 47) سرعان ما قام بديلا من المشهد الذي قبله مباشرة، مشهد وهو يقدح بزناد الصوان في الخرقة المدعوكة ويعيد القدح حتى اشتعلت النار في الهشيم (ص 44) ومشهد الأب وهو يعتلي صهوة فرسه، سرعان ما عوضه مشهد الابن وهو يشق الصحراء بالسيارة الجديدة لجلب الماء من المناطق البعيدة أو لأخذ النساء إلى الوادي..
إن تسرب مكونات عالم المدنية واكتساح التقنية حياة البدو شيئا فشيئا لن يفضيا إلى تغير حياتهم فحسب بل سيفضيان كذلك إلى تغير عميق في طبيعة الزمان الذي كان يسم هذه الحياة من زمان دائري بطيء إلى زمان خطي محتدم، وإلى زوال منظومة كاملة من القيم أنتجتها حياة الترحل ومصارعة الطبيعة القاسية مثل الفروسية والكرم وإجارة المستجير بعد أن بسط القانون نفوذه على كل شيء. ولم تعد المكانة الاجتماعية تتحدد بالأصل والنسب بعد أن صار المال والمصلحة متحكمين في العلاقات الإنسانية، لذلك يمكننا أن نسم رواية «الأيام لا تعود» برواية الذاكرة الجريحة أو الهوية الضائعة، وليس أدل على ذلك من الاسم الذي اختاره الكاتب لشخصيته المحورية الثانية: «رحيل البدوي» والمقصود به رحيل عالم بأسره من القيم لتبقى الرواية مفتوحة على أسئلة خطيرة شتى:
- هل تقدم الإنسان بالتقنية ووجد فيها خلاصه أم دخل زمانا جديدا يجرده من ذاته كل يوم ويسير به إلى مثواه الأخير؟
- هل بقي للهوية من ملمح بعد أن انهارت منظومة كاملة من القيم وغدت المصلحة متحكمة في كل شيء؟
«الأيام لا تعود» هذا ما صرح به سعيد شهاب، ولكنه راوغنا وأعادها لتكون شاهدا على كل ما ضاع من الإنسان والمكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.