تجتمع الأسرة في صالة المنزل فيعم صمت رهيب، تنظر من حولك فتجد أن كل فرد من أفرادها متشبث بجهاز آيباد أو جوال ذكي يداعب شاشته الحساسة بأصابعه ويركز بصره على ما يرد فيها من رسائل أو صور أو مقاطع فيديو!!. الجميع صغارا وكبارا أما وأبا يعانون نفس الوجوم والصمت والانشغال عن الجلسة والحديث الذي كان هو سيد المجلس في السابق!!. حتى في المناسبات الاجتماعية التي كانت تعرف بأنها (فنجال وعلوم رجال) أصبح يبرد فيها الفنجال!! ولا ترد علوم الرجال!! وتحولت إلى وجوم وأصابع وجوال!!. هذا الانعزال والانفصال الاجتماعي سيقضي على أهم عنصر تربوي تعليمي وتثقيفي أخلاقي هو تبادل الخبرات والمعلومات والأخلاقيات التربوية بين أفراد الأسرة خاصة تجاه المعلومة التربوية من الأب والأم إلى الأبناء وتلقي رجع الصدى من الأبناء لوالديهم، وتبادل أطراف الحديث الذي يكشف أوضاع وأحوال المنزل ويطرح مشاكله وهمومه للنقاش وإيجاد الحلول!!. حتى في المجتمع الكبير فإن المناسبات الاجتماعية من دعوات غداء وعشاء وحفلات زواج كانت تشكل دروسا للأجيال ونقلا للمعلومة والمبادئ الأخلاقية والمواقف والعبر وتشكل لدى الفرد لبنات متراصة بانتظام عن أخلاق القدوة الحسنة وتحذير من سلوكيات العناصر السيئة!!، وهذا كله أصبح معدوما وأباده الآيباد!!. هذا الوجوم وتلك السلبية يهددان بكارثة اجتماعية تربوية خطيرة تتمثل في خلق جيل فارغ تماما من قيم وأخلاق القدوة الحسنة ومحروم من تجارب من سبقوه، خصوصا أن ما يشغله في الجهاز الذكي ليس موضوعا ثقافيا أو تاريخيا أو درسا تثقيفيا بل في الغالب هي مقاطع ترفيه وفكاهة ونكت مع شيء يسير من الأخبار غير الموثوقة. الأمر يتعلق بسلوك فرد ونظام أسرة ووعي مجتمع ولا يمكن للدولة أن تقننه أو تتحكم فيه أو تسيطر عليه إطلاقا إلا بتكثيف التوعية والحث والنصح والتحذير علنا نعي فنحد من ذلك الانعزال!!.