الكتابة الساخرة فن من الفنون الجميلة، التي لا يملكها سوى أولئك الذين أنعم الله عليهم بموهبة خاصة تمكنهم منها. الكاتب الساخر يتميز إلى جانب كونه ظريفا محبوبا ومقروءا من كثيرين، بكونه قادرا على أن يقول ما يشاء مغلفا بظرف فكاهي يجعله مقبولا مهما تضمن داخله من أنواع (القرص). في بعض الأحيان يعمد الكاتب الساخر إلى السخرية من نفسه في الظاهر ليغمز ما يحدث في المجتمع من عيوب وفساد، لكن بعض القراء لا يدركون ذلك البعد الذي يرمي إليه الكاتب في تعبيره الساخر من نفسه، فيأخذون قوله مأخذا حرفيا، ثم يهاجمونه من خلال ما قاله عن نفسه، وربما عيروه به، قد يكون ذلك عن بلادة منهم في الفهم، وقد يكون متعمدا بغرض الإساءة إلى الكاتب. زكي مبارك أحد أدباء مصر المشهورين، كان أحيانا يعمد إلى السخرية من نفسه في بعض كتاباته كي يمرر نقدا لشيء في المجتمع يرى أذاه، فكتب مرة معبرا عن استيائه مما يراه منتشرا بين الناس من انغماس في الفساد فقال: «أنا رجل لئيم، ويجب أن أستفيد من فساد المجتمع»، في إيماءة ساخرة لأولئك الذين يرون في انتشار الفساد في المجتمع فرصة لهم يحققون من خلالها مصالحهم الشخصية. لكن إحدى الصحف (التي قد تكون تكرهه)، التقطت عبارته تلك واتخذت منها دليلا على فساده، فنشرت كلاما تلوم فيه الحكومة لاعتمادها في تثقيف الشباب على رجل مثله، يعترف بأنه لئيم يستفيد من فساد المجتمع!! لعله يصعب التصديق أن تلك الصحيفة المهاجمة للكاتب الساخر من نفسه، كانت تجهل مرماه من تلك السخرية ، وغالب الظن أنها تعمدت تجاهل غايته لتستفيد من سخريته من نفسه في الهجوم عليه. ورغم أن الكاتب الساخر، غالبا يتمتع ببرودة أعصاب وقدرة على امتصاص الإساءات بلا انفعال، إلا أن هذه الصفة لم أجدها في زكي مبارك، الذي كان سريع الانفعال بالغ الحدة في ردود أفعاله، لذا لم يحتمل إساءة القراء فهم ما يكتبه من نقد اجتماعي مغلفا بالسخرية من نفسه، فكتب مرة يقول: «وقد آن لبني آدم من أهل البلاد أن يفهموا أن المؤلف لا يسأل عما يرد في كلامه من العبارات التي يديرها حول نفسه ليتمكن من السخرية بالمجتمع». يعمد الكاتب الساخر إلى السخرية من نفسه كلما أراد نقدا للمجتمع، طمعا في أن ينجو من التسبب في جرح الآخرين أو الإساءة إليهم، لكن الآخرين لا يتركونه ينعم بالنجاة..