يلفت الشاعر حيدر العبدالله متابعيه إلى مفارقات عدة، فصغر سن هذا الشاعر العشريني يقابله قاموس شعري كبير وثري، وضآلة ونحول جسمه تتفوق عليهما أحلامه وطموحاته وبلاغته، نجح في اجتياز أكثر من مرحلة في برنامج أمير الشعراء، وتأهل للمراحل الختامية، ولا يزال يعتني بتجربته اعتناءه بهندامه، وظل متمسكا بهدوئه ورباطة جأشه تمسكه بلباقة مفرداته، تشعر حين تراه أنه فتى خجول حتى تتدفق الشاعرية فيكسر حواجز الظنون ويأسر سامعيه بانسيابية اللغة وفخامة اللهجة .. وهنا نص حواره مع «عكاظ»: إلام ترجع ثراء قاموسك اللغوي برغم حداثة سنك؟ اللغة تربتها الحياة بمقدار ما نعيش تنبت في أرواحنا الكلمات هذه الكلمات التي تظل محتفظة بمشاعرها ومواقفها، تنمو وترتفع من ماء الذاكرة، متسلقة أغصان المخيلة إلى سماء الشعر، إذن فالقاموس وليد البيئة ورضيع التجربة، لكل شاعر معجمه الذي يقطفه مما يجده حوله من حقول، ثم يشذبه ويصقله ويطوره ويضيف عليه ويمهره بختمه وبصمته. هل ورثت الشعرية من خلال جينات نسب؟ قد تحمل الجينات الكثير من المواهب والقدرات العضوية والعقلية، لكنها لا تستطيع أن تحمل الشعر أبدا، ذلك أن الشعر قدرة قلبية أكثر منها عضوية أو عقلية، نعم لا أشك في أن الشاعر محتاج إلى قوالب عقلية لغوية يصب فيها كلام القلب، وقد يرث هذه القوالب من أعمامه أو أخواله، لكنها وحدها لا تصنع منه شاعرا، أما أنا فلم يكن أحد من عائلتي يكتب الشعر، ولقد ورثت قلبي من الطبيعة. ما سر التقاطع بين المدرسة الشعرية في المنطقة الشرقية والمدرسة العراقية؟ صحيح بين الشعر السعودي ونظيره العراقي علاقة تأثر وتأثير ممتدة بامتداد تاريخ الشعر العربي، وعميقة بعمق الخليج، لكنها علاقة تمايز أيضا، ابتداء بفحول الشعر الجاهلي وشعراء صدر الإسلام في الجزيرة العربية، مرورا بعباقرة الشعر العباسي في العراق، وصولا إلى السياب والثبيتي وما بعدهما، وإن كان هناك تشابه بين الشعر العراقي والشعر السعودي، فهو تشابه في الفرادة، والتطور الحثيث، والتجربة الصادقة، فالمدرستان متوازيتان في رأيي وتكادان لا تلتقيان. ** هل تتذكر أول نص كتبته وكم كان عمرك؟ البدايات كانت اعتيادية جدا، كأي طفل في المرحلة الابتدائية يدندن أمام المرآة ويعجب بألحان أناشيده المدرسية ويحاول تذكر الأنشودة فيفشل، ثم يضع كلماته الخاصة مكانها، ولا أتذكر نصوصي الأولى جيدا، فقد ضاعت مع خربشات الدفاتر المدرسية، لكنني أتذكر احتواء البيت والمدرسة، وتشجيع الأهل والمعلمين دائما وأبدا. ما مدى إيمانك بالآباء الشعريين؟ الشعراء آباء أنفسهم، وأبناء ذواتهم، لا نطفة غير التأمل، ولا رحم سوى الانفعال.. هكذا تولد القصيدة، نعم لا غنى عن القراءة الكثيفة والاندهاش ببعض التجارب الكبيرة، وهذا وظيفته صقل الذائقة وشحذ الناقد الداخلي لا غير. ماذا أضاف إليك برنامج أمير الشعراء؟ استطاع أمير الشعراء، خلال خمسة مواسم سابقة، أن يثبت وجوده كأكبر كرنفال عربي للشعر الفصيح بلا منازع، الدليل هو نجاحه في استقطاب هذا الكم الهائل من الشعراء والمشاهدين في كل موسم، الإضافة الأكبر التي يقدمها هذا المهرجان للشاعر هي إيصال صوته إلى كل بيت وزقاق عربي يجعلك تتجاوز النخب الثقافية ويضعك وجها لوجه مع الشارع العربي تصبح معروفا خلال أسابيع، وتختصر سنوات طويلة من النشر والعمل الإعلامي، هذا الانتشار المفاجئ والسريع يحملك بالتالي مسؤولية كبيرة تجاه جمهورك الجديد الذي لن ينقطع بانقطاع البرنامج. هل ترى حيادية في لجنة التحكيم في اختيار المتأهلين؟ اختيار الشعراء في هذا البرنامج الجماهيري يعتمد على الإبداع الشعري، صحيح، ولكنه لا يقتصر عليه، فهناك معايير أخرى قد تدخل في الاعتبار؛ مثل القدرة على الإلقاء، وسرعة البديهة، والذكاء في اختيار النص، وفي النهاية لا بد أن يكون الشاعر ملائما للظهور على الشاشة ومواجهة الملايين، وأرى موضوعية لجنة التحكيم إلى حد كبير، ولكن الجمهور دائما شريك في اتخاذ القرار، وهذا هو الاختبار الأكثر صعوبة، إذ كيف تقنع الجماهير بشاعريتك وتجعلهم يصوتون لك.