وصف عدد من النقاد والروائيين عملية إسقاط العمل الإبداعي على الواقع بالتكهنات التي لا يمكن الجزم بصحتها، كون الإبداع عالم مواز للواقع لا صورة مطابقة له سوى في السيرة الذاتية. قراءة فاتنة المؤرخ والقاص محمد ربيع، يرى أن خلف كل قراءة فاتنة تأويل فاتن، وخلف كل تأويل فاتن نص فاتن، تلك الفتنة التي يستمدها النص من إشتغاليات كثيرة من بينها الاتساع الذي وصفه صاحب العمدة، بقوله «وذلك أن يقول الشاعر بيتا يتسع فيه التأويل فيأتي كل واحد بمعنى، وإنما يقع ذلك لاحتمال اللفظ، وقوته، واتساع المعنى»، هذا في الشعر، ولكن الاتساع ليس حصرا على الشعر، فالسرد أيضا فيه اتساع بل هو مملكته العظمى، وكلام الناس السائر فيه اتساع وكذلك أشعارهم العامية وأزجالهم فيها اتساع، ولولا ذلك الاتساع ما كان التأويل، ولولا التأويل ما توقف أمام النص، لا قارئ ولا سامع. ولفت ربيع إلى أن مدارس النقد عنيت بكل أشكال التحليل، الهيرمينوطيقي وغير الهيرمينوطيقي، تعاقبا من المؤلف إلى المتلقي إلى النص كحادثة ثقافية، وتطورت مدارس عديدة اعتمدت التحليل اللساني أو التحليل البنيوي أو التحليل الأسلوبي أو التحليل السينميائي أو التحليل التداولي أو التحليل الحجاجي أو التحليل الثقافي أو التحليل التأويلي بحثا عن فتنة النصوص المستترة وخباياها المذهلة، لكنها جميعها تسدد وتقارب، ترعى حول الحمى دون أن تقع فيه، لأن القطع بتأويل ما يعني نهاية فتنة النص، وإذا انتهت فتنته ضمر وتلاشى ومات، وإسقاط النص على حادثة معينة فيه جناية كبيرة على النص لأنها تحوله من أثر جميل إلى تقرير إخباري أو إلى نشرة عامة إضافة إلى ما فيها من تقول على الكاتب قد لا يكون له من ذلك التأويل نصيب ولا خطر في وهمه، كما قال ابن رشيق: ولا وقع في خلده ولا روعه. تدوين السرد من جانبه، يرى الناقد والروائي خالد اليوسف، أن كتابة الرواية ليست عملا عاديا ينهض على استرجاع أحداث وتجميع شخصيات ومتابعة مكانية وزمانية، لتخرج لنا بعد ذلك كتابة ترضي كل الأطراف والفئات، التي يمكن أن تصنف هذا العمل على أنه رواية أو حكاية طويلة أو سيرة ذاتية. وأضاف: كتابة الرواية الحقيقية - مما أعرفه وأعايشه - هي كتابة إبداعية معرفية، ويمكن أن تكون كتابة تعتمد على ثلاثة أسس هي: المعرفة، الحياة، والكتابة السردية، وتقوم - كذلك - على خيال خصب واسع الأنحاء والاتجاهات، وتستفيد من الواقع لتقريب الصور والمشاهد للقارئ، وتلبسه حيوية وشعورا زمكانيا، بل وواقعيا، من خلال المسميات والتواريخ والشخوص التي تعيش المرحلة. ووصف اليوسف تدوين السرد بكتابة لما لا يكتب عنه بل هي كتابة المستحيل، وهي الكتابة المأمولة، والحياة الغائبة المتوقعة، وهي كتابة الأمل والحلم بصورة واقعية، مشيرا إلى أن كتابة السيرة هي كتابة التاريخ الشخصي أو المكاني أو الزماني أو تفصيل الحدث العام ممتزجا بالحدث الشخصي، لافتا إلى أن السيرة أكثر واقعية وأفصح عما خفي وتكشف بأسلوب جذاب عن جوانب مثيرة من الحياة الشخصية، مؤكدا أن السيرة لا يمكن أن تكون رواية، لكن الرواية يمكن أن تتلبس بالسيرة. فرق بينهما أما الروائي والناقد عواض شاهر العصيمي، فيؤكد أنه لا يزال يذكر مقولة تبخيسية للعمل المحلي رددها البعض ولا تزال تقال بين وقت وآخر وهي تلك المقولة التي تتهم الرواية المحلية بأنها مجرد «سيرة ذاتية». وأضاف: تعمد البعض أن يطلقها على الكتابة التي تنتجها المرأة السعودية، ولا حاجة إلى القول بأنها تهمة متهافتة جدا، بل فيها رائحة تعال أجوف على المنتج المحلي، وما لم يكن هناك دليل قاطع على إثبات صحتها تجاه عمل ما فستبقى كذلك، متهافتة وجوفاء، ولكن يبدو أن صداها اتسع في أذهان كثيرين حتى ظنوا أن كل عمل ينتجه روائي سعودي ما هو إلا من قبيل هذا الطرح الاتهامي في المقام الأول، والخاوي من الرؤية النقدية المتفحصة في المقام الثاني. وأضاف العصيمي: لا أستبعد أن يتخرص متخرص، حتى وإن كان من ممارسي الكتابة الروائية، بأن هذا العمل المحلي أو ذاك ليس إلا من هذا الباب، مشيرا إلى أن الفرق كبير بين السيرة الذاتية، إذ تكتب كمنتج أدبي واقعي والعمل الأدبي في سياقاته المتحررة من الشخصي والخاص كون السيرة الذاتية تتضمن وقائع وأحداثا حقيقية تتصل مباشرة بحياة كاتبها وحينها لا يمكن تأويلها بشكل آخر مغاير لهذا الشأن الشخصي والخاص، أما العمل الأدبي الذي لا تحمل فكرته في شكل مباشر موضوعا شخصيا واضحا يشير إلى الكاتب فإن من التجني البين أن نحاكمه ظنيا لمجرد أنه وافق استنتاجات تجعلنا نعتقد أنها بشكل أو بآخر تشير إلى الكاتب عينه. ويذهب الروائي طاهر الزهراني إلى أن هذه الممارسة تسلية قد يمارسها بعض القراء على مستوى عام، وبعض الروائيين على مستوى الخاص، واصفا إسقاط الإبداع على الواقع بنوع من التكهنات لا علاقة لها بالعملية الإبداعية وربما تواكب صدور العمل الإبداعي ثم لا تلبث إلا وأنت تنتهي سريعا كفقاعة صابون. وأضاف: أما عن الشخصيات في العمل الإبداعي فأتصور أن خلق الشخصيات في الرواية يختلف من كاتب إلى آخر، فبعض الأحيان تكون هناك شخصية حقيقية وراء كتابة العمل، وقد تكون هذه الشخصية حاضرة في الرواية وباسمها الحقيقي كما هو الحال في رواية زوربا مثلا الشخصيات ثانوية في الرواية، منها ما هو من خلق الكاتب ومنها ما هو واقعي.