رخاء أي دولة يعتمد على القدرات البشرية ومهارتها وحنكتها في جذب المصالح الوطنية والعمل على إنمائها، وكل قيادة مهما أوتيت من المقدرة الفذة، إلا أنها بحاجة ماسة لمن يشاركها أحلامها ويماثلها في الجد والسعي الحثيث لإحداث النقلات النوعية لبلادها. وهذا ما استشعره ميخائيل غورباتشوف في ثورة الإصلاح التي قام بها رافعا شعار البناء (البريسترويكا)، فقد وجد نفسه يفتقر للرجال الذين يحلمون بنفس ما كان يحلم به، إذ سرعان ما تفكك الاتحاد السوفيتي على يد يلتسن، وإزاء هذا التفكك قال ميخائيل غورباتشوف: (لو كان لدي رجل كسعود الفيصل، ما تفكك الاتحاد السوفييتي وانتهى». وسعود الفيصل لا يحتاج إلى شهادات وأوسمة، فخلال عقود زمنية طويلة قاد السياسة السعودية الخارجية بحنكة الربان، وخرج من كل العواصف السياسية التي عبرت المنطقة (وما زالت ) من غير أن يبلل سفينة بلاده بماء الأمواج المالحة المتلاطمة حولها. والحنكة والحكمة اللتان يتمتع بهما سعود الفيصل مكنتاه من إبعاد بلاده عن التشابكات الدولية الحادة، حتى تحول إلى رجل المهمات الصعبة ونازع للألغام المحيطة بمصالح وطنه، إذ تمتاز شخصيته بالهدوء والتريث وتصويب الكلمات في موقعها من غير زيادة أو نقصان. وقلة هم من يستطيعون مواصلة النجاح في عالم يكاد ينقض بعضه على بعض.. ففي مثل هذا العالم يحتاج الدبلوماسي إلى مواصفات خاصة جدا تمكنه من الإبقاء على التوازن مهما كان الاهتزاز عنيفا. وبالأمس، ترجل سعود الفيصل عن منصبه بعد 40 عاما من العمل المضنى والشاق، وكان اعتذاره عن مواصلة مشواره محل تقدير كل الوطن بمسؤوليه وأفراده، ليس هذا وحسب، بل إن كل السياسيين العالميين يقدرون موهبته السياسة وحنكته في إدارة مختلف القضايا لصالح وطنه بحكمة ودراية. وليس رأي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يبتعد عن آراء كثير من السياسيين الذين يقدرون للفيصل أنه قاد عمله بحكمة نادرة تصنف على أنها من أعلى مستويات الدبلوماسية الدولية. أما سعيه للتواصل مع الفيصل والحصول على مشورته، فهو سعي الكثيرين الذين يقدرون عمق هذا الرجل.. لهذا فنحن نفاخر بهذا الرمز السياسي ونشكر له كل مجهوداته التي أوصلت بلادنا إلى قوة لا يستهان بها.