يلفت الروائي الجزائري واسيني الأعرج قراء تجربته إلى مهارته في الإفادة من التاريخ وتناول القضايا الإنسانية من خلال الشخصيات الأسطورية والاجتماعية، وأوضح ل(عكاظ) أن البعض لا يعرف عن المملكة سوى أنها بلد النفط والاقتصاد، علما بأنها عمق ثقافي وتاريخي وإبداعي، وهنا نص حوارنا معه على هامش تكريمه في اثنينية عبدالمقصود خوجة مساء البارحة. ما آخر أعمالك السردية؟ سيرة ذاتية خرجت في كتاب (سيرة المنتهى) عن دار الآداب، وهي تجسد سيرة حياتية تحكي إعادة إحياء شخصيات كان لها أكبر الأثر في حياتي وثقافتي وعشقي للغة العربية والرواية ليست سيرة تقليدية بل معراج نحو من صنعوا ذاكرتي بدءا من الجدة والأم والجد ومن خلال الطفولة مرورا بالبئر الأولى وحتى الهجرة لفرنسا والحبيبة وميغيل دي ثيربانتس كاتب دون كيشوت فهو ممن أحيا الذاكرة وأغناها. هل يجدول الروائي مشروعه بحيث يستطيع أن يلتزم كل عام بإصدار رواية؟ الروائي لديه سلسلة مواضيع ومشاريع والعمر بأكمله مهما طال لا يكفي أحيانا لإنجاز كل ما جدول أو وعد به أو التزم، وأنا أنجز كل عام ونصف إلى عامين عملا، وأحيانا الموضوع يتطلب زمنا أطول وكتاب الأمير استغرق مني أربع سنوات، كونه موضوع متشعب وامتد بي إلى الوطن والوثائق والحكايات والمرويات. رواية الأمير تاريخية؟ أنا لست مؤرخا، لكني أكاد أجزم أني قرأت أهم ما كتب حول الأمير ووجدت فيها وجهات نظر مختلفة حوله، فالمدرسة العسكرية الفرنسية تراه مجرما ونظرة فرنسية أخرى ترى العكس وحتى في الجزائر فإن هناك من يراه خائنا أو متساهلا مع فرنسا وطرف آخر يراه بطلا عظيما، أما النظرة الإنكليزية فتراه وسيلة هامة لدخول الجزائر، فقد كانت لبريطانيا أطماع في الجزائر وقامت ببعض الهجمات صدها الأتراك كما تعلم في ذلك الوقت. من هنا جاءت خصوصية شخصية الأمير وخطورتها لأنها ليست شخصية مسطحة متفقا عليها بل هي شخصية مركبة وخلافية وهذا التناقض هو الذي سيشكل الاختبار الحقيقي بالنسبة للروائي، وهنا تبرز مهارة تحويل الأخبار والوقائع والتناقض إلى متخيل ونسيج سردي محبوك، وشخصية الأمير عبدالقادر لم يقع التعرض إليها بشكل جيد ولم تفهم جيدا وقد ظل الأمير يقاتل ويجاهد مدة 17 عاما بسلاح تقليدي في قمم الجبال وهو رجل دولة بمعنى رجل سياسة وتفاوض. هل يمكن أسطرة الواقع بالمتخيل؟ عندما تكون أمام شخصية دينية وسياسية وشخصية عسكرية من الطراز الأول، قررت أن أقدمه شخصية إنسانية من خلال نزع طابعها الخرافي والخوارقي الذي أضفته عليها العامة من فرط حبها لها، ولم أجد وثيقة عن عشقه أو بطولته أو حياته ما يعني صعوبة في كتابته فنيا. في الرواية شيء من حوار الحضارات؟ حوار هامشي أو جزئي مستوحى من لقاء بين رجلين من ديانتين مختلفتين يجمع بينهما البعد الإنساني وأقصد طبعا بالرجلين مونسينيور ديبوش القس الفرنسي بالجزائر والأمير المسلم والحوارات التي اعتمدتها في الرواية بين الرجلين هي سجالات وحوارات موثقة تاريخيا. بل أقول لك ما هو أبعد من ذلك.. كان مونسينيور ديبوش يمازح الأمير بقوله: كم أتمنى أن تصبح مسيحيا لأن واحدا مثلك يمكنه أن يمسح كل المسلمين بما له من مكانة في قلوبهم وعقولهم، وكان الأمير يرد عليه بذات الأسلوب. وانتهى الأمر بالرجلين أن بقي كل واحد منهما متمسكا بدينه وجمع بينهما الحس الإنساني المشترك، وهذا ما ينقصنا اليوم، نحن نعيش عصرا يغيب فيه هذا الحس، لذلك حواراتنا الحضارية حوارات زائفة لأنها مجرد بروتوكولات يعود على إثرها المتحاورون دون أدنى اتفاق حتى إذا ما تعلق بالإنسان كإنسان. هل تعيد الرواية إنتاج التاريخ؟ كنت وأنا أكتب (كتاب الأمير) أعتمد على مادة تاريخية لا يمكن إنكارها متعلقة بشخصية الأمير عبدالقادر، لذلك كنت مجبرا على التعامل مع هذه المادة ولم أكن وفيا لها دائما كون خروجي عنها لا يشكل ضررا على طبيعة الرواية ومسارها ككل. كيف يتعامل المغترب مع الوطن الأم كتابيا؟ بلد المنفى بلد محايد لا علاقة تاريخية تجمعني به وليس مطالبا بأن يقدم لي شيئا، وله كل الفضل في استقبالي، خاصة إذا ما ضمن لي عملا وراتبا وحياة كريمة، المسافة بينك وبين الوطن الأم ضرورية أحيانا، فالانفصال الجسدي عن المجتمع يجعل الصورة أدق في وضوح مساحتها، كما أن للمسافة على السرد مخاطرها، فالابتعاد عن اليومي يضر بالمخزون أو المختزل من الواقع، ولكني أعود باستمرار إلى الجزائر وأقدم حلقة بحث في الجامعة، ما يعني أني حافظت على العلاقة مع الوطن الأم ومن خلال هذه التواصلية أعيش الحركية الاجتماعية وأعايشها، والمنفى أو الوطن ليس له علاقة بالنصوص الجيدة أو الرديئة فهناك نصوص كبيرة كتبت خارج الوطن ونصوص أكبر كتبت في داخله. هل يتحول الوطن إلى عدو فني؟ الوطن صديق ولعل المنفى ينتظر منا مثل هذه العداوات غير أنه يهبنا أضعاف ما يهب الوطن، وحب الوطن مرض، عندي أصدقاء هاجروا وانفصلوا تماما عن ماضيهم المر وبدأوا حياة جديدة، أما أنا فبقيت رهينة ماض ووطنيا.. أليس هذا مرضا؟ هل كنت مرشحا لوزارة الثقافة الجزائرية؟ في اليوم الذي وصلني الترشيح سافرت إلى تونس للمشاركة في ملتقى للرواية العربية (ندوة قابس الدولية) كيف ترى كتابتك بالفرنسية؟ جزء من كتابتي بالفرنسية ولا أجد إشكالا في ذلك، فاللغة الأخرى تفتح أبوابا أوسع للاطلاع على عالم آخر، واللغة عتبة وصول للمجتمع إلا أن الكتابة بالعربية إحياء، وأنا لست فرنكفونيا كوني تعلمت العربية، خصوصا من جدتي ذات الأصول الموريسكية، واللغة إيقاع ووجود وحياة وهي قدر أيضا لأنك لم تختر لغتك، والعداء دائما للرداءة لا للغة فليكتب الكاتب باللغة التي يريد إيطالية كانت أو فرنسية أو بنغالية، المهم أن تكون الكتابة جيدة، وليس هناك لغة غير قادرة على التعبير عن متحدثيها والناطقين بها حتى الشعوب البدائية خلقت رموزها، فما بالك بلغة متكاملة مثل العربية، الصعوبة في الترجمة عن العربية لأن العربية ذات طبيعة مفتوحة أشبه ما تكون بصحراء تستعصي على الامتلاك الكلي. سؤال طرحه عليك قبلي صحفيون.. هل تفكر في جائزة نوبل؟ نعم أفكر فيها بجدية من خلال رواية بدأت في كتابتها بالفرنسية منذ سنة ثم توقفت وفيها شخصية رئيسة اسمها (نوبل ولا شيء). ما مدى صلوحية الرواية بلغة أو لهجة دارجة؟ البناء الروائي يحتاج إلى مزاوجة بين لهجات عدة، إلا أن الرواية لا تكون رواية إلا بلغتها. هل عبرت عن التطرف بما يكفي؟ حقبة التسعينات كانت خطيرة جدا على الحياة، وعشت وعايشت اليوميات وكتبت من خلال الخاص عن العام، إلا أن التطرف لم ينته بل يتزايد في كل العالم ووراء كل تطرف شخصيات وحركات وغايات. كيف ترى تكريمك في اثنينية خوجة؟ حقيقة لا أعرف كيف جاء اختياري ولا من وضع اسمي في قائمة المكرمين، لكني فخور بهذه المؤسسة الأهلية المدنية وبدورها الثقافي منذ الثمانينات، وهي جسر ثقافي للتواصل مع المثقفين داخل المملكة وخارجها. ماذا يلفت انتباهك في الإنتاج الإبداعي السعودي؟ أتابع الفعل الثقافي السعودي بإعجاب ولي أصدقاء كثر من الروائيين والقصاصين والفنانين، منهم عبده خال ورجاء عالم وزينب حفني وليلى الجهني والناقد الكبير عبدالله الغذامي، ومما يؤسف له أن البعض لا يرى من المملكة سوى وجهها النفطي والاقتصادي، علما بأنها عمق ثقافي وامتداد تاريخي للتراث والثقافة والوعي العربي.