على مدى الأسابيع والأيام الأخيرة ظلت وقائع الأزمة اليمنية المتسارعة تدفع بالبلاد نحو حرب أهلية مؤكدة لم تكن لتبقي ولا تذر، والانجراف السريع نحو الانهيار التام للدولة وتمزيقها، وما يرتبط بذلك من تأثيرات وتداعيات خطيرة إقليميا خاصة التأثير المباشر على أمن المملكة والخليج العربي والبحر الأحمر وحركة الملاحة البحرية للتجارة خاصة البترول، ومن ثم تقويض الأمن العربي لصالح إيران بامتداد جديد لنفوذها الذي أعلنته صراحة وعلى لسان كبار قادتها السياسيين والعسكريين عن الإمبراطورية الفارسية. حيث كان المطلوب إقليميا ترك اليمن فريسة لوكلائها الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي صالح واتباعه، وولاءاتهم التي باعوا بها بلادهم وجيشها ومؤسساتها لحسابات مصالح داخلية وغرور المشروع الإيراني وخطر ذلك على التوازن الإقليمي خاصة استقرار دول مجلس التعاون خاصة المملكة. وأمام ذلك الخطر الداهم المتسارع انطلقت عاصفة الحزم من التحالف العربي القوي بقيادة المملكة والقرار التاريخي الشجاع لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، استجابة لنداء الرئيس اليمني ورسالته لقادة دول المجلس وطلب الشرعية اليمنية إلى الجامعة العربية ومناشدتها للأمم المتحدة، وقد جاءت رسالة الرئيس اليمني واضحة أن (أنقذوا اليمن عاجلا غير آجل) حتى عاصفة التحالف جاءت قوية وحاسمة منذ الساعة الأولى بمشاركة كبيرة ورئيسية من المملكة، مع تحرك استراتيجي جوا وبحرا لحماية اليمن من أي تصعيد حوثي وإمداد إيراني بالسلاح والمسلحين وخبراء الحرب وقطع الطريق على طهران من فصول سياستها ومشروعها في العراق وسوريا. الواقع وسير أحداث المؤامرة على الشرعية اليمنية يشرح نفسه بنفسه، وأجمع المراقبون على خطورتها بضياع اليمن واختطافه. لذلك فإن ما حصل ويحصل في اليمن من فوضى تدحرجت في أنحائه وأطماع الحوثيين هو درس جديد غاية في الأهمية بعد درس تجربة تنظيم الإخوان التي افتضحت أستارها وفصولها حتى سقطت سقوطا مدويا في مصر، وما ارتبط بذلك من اندلاع موجة الإرهاب، وهكذا الحال في ليبيا وحال كل بلد استسلم لتلك الجماعات تحت أقنعة طائفية أو مذهبية أو ثورية وشعارات الحرية والديموقراطية والعيش إلى آخر مظاهر الخداع السياسي والفوضى ومحترفي تجار الدين والسياسة. إن الأزمة اليمنية بلغت ذروتها بمخطط الحوثيين واختطافهم للدولة، وهو لا يمكن عزله عن المشروع الإقليمي لإيران الطامعة في القوة النووية العسكرية المؤجلة حتما تحت وطأة العقوبات وما سيحدده الاتفاق المرتقب مع القوى الكبرى، ولا يمكن عزله عن أطماعها في نفوذ إقليمي فارسي بأذرعة مذهبية ماكرة وخادعة تمكنت من العراق وسوريا ونسبيا في لبنان وقلاقل في البحرين بين فترة وأخرى، ونموذج متصاعد بشكل صارخ في اليمن. إنه حلم استعادة الإمبراطورية الفارسية. إن الدروس الحاصلة خطيرة ومهمة ويجب أن تستلهمها الشعوب في الحفاظ على أوطانها ونقاء وعلو هذا الانتماء الوطني وهويتها العربية التي تحاول قوى الشر الطامعة خلخلتها ضمن تحديات ومؤامرات واضحة بالفعل على أرض الواقع، حتى وإن أنكر ذلك خبثاء الفكر وتجار السياسة والدين وأصحاب الانتماءات الضيقة وقطعان المتعصبين لها والمخدوعين فيها، وأيضا الإرهاب الغادر وفكره الضال تحت أي قناع ديني أو مذهبي أو فكري. حماية الوطن والذود عنه وصون أمنه ومقدراته تبدأ من المواطن بالتمسك بصحيح الدين وسماحته وأخلاقه، وبالوعي والعمل الجاد والإخلاص للوطن وحماية الأجيال من كل شطط وانحراف تدفع به قوى الشر ونظرية التدمير الذاتي للشعوب بالفوضى والصراع، والترويج الواضح لفتن الانقسام وخدع الشعارات والأقنعة الكاذبة لصالح أطماع كبرى ومؤامرات خطيرة. حفظ الله بلادنا وأمتنا من كل سوء.