في لحظة صدق نادرة اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن ظهور داعش كان نتيجة غير مقصودة لغزو بلاده للعراق في عهد جورج بوش الابن عام 2003. وأضاف أوباما الذي يبدو أنه بات أقل تدخلا في شؤون السياسة الدولية في ولايته الثانية عما كان عليه الحال في ولايته الأولى «إن إيقاف التطرف لن يحدث ما لم تكن هناك حلول سياسية للصراعات الداخلية التي تؤثر على العديد من بلدان الشرق الأوسط». ما ينقص إعلان أوباما هذا هو سحب المنطق ذاته على إسرائيل، والتي باحتلالها المستمر للأرض الفلسطينية، وتنكرها المتواصل للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تبقي على أقدم وأخطر صراع في الشرق الأوسط قائما، وأن احتلالها لا يدفع بعض الفلسطينيين وحتى بعض العرب وبعض المسلمين إلى التطرف، بدافع اليأس من قدرة المجتمع الدولي على إنصاف الفلسطينيين ولو جزئيا وحسب، ولكنه أيضا يؤجج التطرف اليهودي خاصة بين المستوطنين، الذين وبعد أن تزايدت أعدادهم، وبعد أن فشلت محاولات التوصل للحل السياسي على مدار أكثر من عشرين سنة، ازدادت ثقتهم بمشروعهم الاحتلالي، لدرجة باتوا فيها يتحكمون في شكل وبرنامج وطبيعة الحكومات الإسرائيلية منذ عقدين تقريبا. لم ينجح الاستيطان الإسرائيلي في مواصلة مشروعه وحسب، ولكنه نجح في تعميق التوجه اليميني للمجتمع الإسرائيلي، لدرجة باتت معها محاولة الإبقاء على الشكل الديمقراطي للدولة مستحيلا، وكل من يتتبع برامج وشعارات وسياسات الأحزاب الإسرائيلية خلال ثلاث دورات جرت، يلحظ بوضوح أن ما سمي قبل نحو عشرين سنة، أيام أطلق أريئيل شارون شعاره «احتلال التلال» لإفشال تطبيق أوسلو، بالنواة الصلبة للمستوطنين، يلاحظ أنهم وصلوا إلى مستوى تقديم حزب خاص بهم في انتخابات الكنيست السابقة التي جرت قبل عامين، وهو حزب البيت اليهودي، الذي شل قدرة نتنياهو في ولايته الثالثة، حين حاول أن يبدو وسطيا حين كلف تسيفي ليفني بملف التفاوض مع الجانب الفلسطيني على التقدم على طريق تلك المفاوضات، خاصة بعد أن أعلن نفتالي بينت بوضوح رفضه حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، ثم ها هم يتقدمون الآن بعد إعلان نتائج انتخابات الكنيست العشرين ليدفعوا الليكود نفسه ورئيسه بنيامين نتنياهو إلى رفع شعاراتهم وبرنامجهم الرافض لإقامة الدولة الفلسطينية. خير دليل على ما نذهب إليه هو نسبة المصوتين من المستوطنين في الضفة الغربية وما يسمى بغلاف غزة لحزب الليكود، والذين كانوا سببا في تقدمه وحتى فوزه غير المتوقع بهذا الحجم في الانتخابات، لدرجة دفعت صحافيا إسرائيليا للمطالبة بتغيير شعب إسرائيل. على البيت الأبيض والإدارة الأمريكية أولا، ثم المجتمع الدولي ثانيا إدراك أن المجتمع الإسرائيلي بات مريضا بداء الاحتلال، وأن عضوا سرطانيا منه وهو الاستيطان لا بد من بتره حتى يصلح المجتمع الإسرائيلي أولا، ومن ثم يصلح الشرق الأوسط ويشفى من كل مسببات التطرف والعنف.