من بين 180 رواية صدرت العام الماضي لروائيين من 15 بلدا عربيا، تم اختيار رواية «الطلياني» للدكتور شكري المبخوت ضمن القائمة القصيرة للروايات الست المرشحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية 2015. ولقد جاء في تقديم هذه الرواية أنها رحلة في حياة طالب جامعي كان يساريا فاعلا وشاهدا في الجامعة التونسية وخارجها على أحلام أجيال تنازعتها طموحات وانتكاسات وانكسارات في سياق صراع سياسي طاحن وفي سياق تحولات قيمية خلخلت بنيان المجتمع التونسي. والرواية كما هو واضح جاءت كلها في أسلوب سردي متدفق تدور أحداثها حول عبدالناصر الطلياني، ذلك الشاب الذي يختلف بملامحه الأندلسية التركية عن والده الحاج محمود الذي يعرف بورعه وتقواه. تتمحور أحداث الرواية حول لغز اعتداء فاضح في المقبرة استهدف به عبدالناصر المكنى ب «الطلياني» (أي الشخص المنسوب إلى إيطاليا) جارهم الإمام الشيخ علالة. وقد وقعت الحادثة سنة 1990 أمام المعزين خلال موكب دفن والده الحاج محمود. والرواية في مشاهدها المختلفة تكاد تكون مخططات مكتملة لسيناريوهات سينمائية فيها كل ما تقتضيه من حبكة وتشويق وتفصيلات مفيدة في بيان الوضعيات والنفسيات وما يستلزمه من حوار متماسك مركز إضافة إلى طرافة الشخصية الرئيسة في الرواية عبدالناصر الطلياني المحببة إلى القارئ الصلبة حينا والهشة أحيانا أخرى بانكساراتها وخيباتها أيضا كما نجد بعض الشخصيات الأخرى الاستثنائية في المتن الروائي العربي وحتى غير العربي خصوصا زينة الطالبة اليسارية التي تزوجها البطل لفترة قصيرة قبل أن تهجره. الطلياني رواية شاب تونسي أراد الحرية فوجد نفسه مكبلا بكوابيس الواقع وانسداد الآفاق وضغط الذاكرة، وهي في كل ذلك رواية ترسم ملامح مخاتلة لسيرة شاب بحث عن قيمة الحب النقي فوجد نفسه أسير عطور متنافرة لأجساد نساء كثيرات. شخصيات الطلياني تلتقي في الذاكرة المتناثرة لهويات متمردة حينا مترددة أحيانا، وهي من هذا المنطلق تبرز المسافة بين الأحلام المجنحة والوقائع العنيدة وتبين من ناحية أخرى أبعادا من مضايق اليسار التونسي وإخفاقه ومن مأزق مجتمع متأزم؛ لذلك جاءت «الطلياني» حكاية أبطال بلا بطولات ورواية للخيبة المعممة والانكسارات المتتالية. اعتبر الكاتب شكري الباصومي رواية «الطلياني» رواية الانكسارات بامتياز، فعبد الناصر وزينة اليساريان القويان الحالمان افترقا وتحطمت أحلامهما على واقع لا يمتلكانه، ومثلما انتقدت زينة اليسارية اليساري عبدالناصر قبل طلاقهما ساخرة: «مناضل طبقي وزعيم طلابي يأكل جراد البحر ويعيش عيشة البورجوازية». لم يكن الانكسار والأحلام المغتصبة حكرا على اليسار بل كان رموز النظام مأزومين متأزمين.