نشرت بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الفارط أن العالم الإيطالي ماسيمو اخترع جهازا مزودا بطاقة خارقة خلاف ما اعتاد عليه الناس في مختبراتهم وحياتهم اليومية لتسجيل الأصوات التي تصدرها الأشباح والتي لا يستطيع الإنسان سماعها، ومزود هذا الجهاز برادار وماسح لاستخدامه للكاميرات أو (الجي بي اس) لمعرفة أماكن هذه الأشباح. ويتم عرض الأشباح مباشرة على شاشة الكاميرا عند إيجاد أحد الشياطين. وهذه الدعاوي كلها من أولها إلى آخرها إلى السقط والبطلان والخزعبلات والخرافة أقرب منها إلى الحقائق العلمية. وأول مساقط هذه الدعاوى أنها تحمل بين طياتها ما ينقض الدعوى ذاتها، ذلك لأن مضمونها يقر بعدم إمكانية رؤية هذه المخلوقات. وهذا هو الذي عليه المسلمات البشرية من خلق آدم إلى أيامنا هذه ولقد جاءت النصوص قطعية الثبوت والدلالة في هذا المعنى كما قال تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)، أي أن الشياطين وهم فصيلة من فصائل الجن كما قال تعالى (الا ان إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)، في قصة السجود لآدم. قال أبو حيان في البحر المحيط أي أن الشيطان وهو إبليس يبصركم هو وجنوده وقومه من الجهة التي لا تبصرونهم منها، وهم أجسام لطيفة معلوم من هذه الشريعة وجودهم كما أن الملائكة أيضا معلوم وجودهم من هذه الشريعة ولا يستنكر أحد وجود أجسام لطيفة جدا لا نراها نحن. فالهواء جسم لطيف لا ندركه نحن وقد قام البرهان العقلي القاطع على وجوده. قال الزمخشري في الكشاف (264 /4) في الآية دليل بين على أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس وان إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم وان زعم من يدعي رؤيتهم فذلك زور وخرافة. وقال الفخر الرازي في تفسيره (25/14) ولو قدر الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤوا لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس ولو كان هذا الحال ممكنا في حق الجن أي أنهم يتصورون شخصيات معينة من البشر لفقد الناس ثقتهم في من حولهم من البشر لاحتمال أن يكون أحدهم ليس هو حقيقة بل جني متقمص شخصية زوجته مثلا وهذا مستحيل وفق خلق الله لهذه المخلوقات وهو من واسع رحمته على عباده، من ذلك ثبت أن لا قدرة لهم على البشر بأي وجه من الوجوه، كما جاء قول إبليس نفسه فيما ورد ذكره في القرآن الكريم (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي)، وإذا تقرر ذلك فإن دعوى اختراع جهاز يلتقط إشارات وأصوات الأشباح وإظهار الجن إنما هو خرافات وخزعبلات وضحك على عقول السذج وضعيفي الإيمان لا أصل لها في العقل ولا النقل ويتبع ذلك ما ينسب إلى الجن من أصوات أو أحداث في بيئة الانسان ومحيطه كأن يرى بابا في بيته مفتوحا ويكون هو قد أغلقه أو يدعي أن الجن سرقوا أرضا أو زوروا صكا ونحو ذلك من الأفعال فيرجع كما يفعله الكثير من أهل الهوس والخرافة هذا الفعل إلى الجن والعفاريت. فالواجب في حق من هم قدوة في المنزل والمجتمع من العقلاء إيضاح ذلك ودحض الخرافات المعششة في أذهان الكثير من الناس. ولكن في نفس الوقت يجب الاعتقاد بوجود الجن وأن لهم قدرة خارقة تفوق قدرات البشر في شتى الأمور كما جاء في تسخير الله سبحانه وتعالى لنبيه سليمان من الجن ما يعملون له من الأشياء التي ليست في مقدور الإنسان أصلا، كما قال تعالى (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) فيبنون له القلاع والقصور العالية ويغوصون له في أعماق البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان والكثير مما ليس في مقدور الإنسان فعله وأقرب مثال لذلك نقل عرش بلقيس من اليمن إلى الشام في أقل من عشر من الثانية كما قال تعالى (وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)، فإن أسرع طائرات العصر الحديث على الإطلاق لا تستطيع قطع نحو «3» آلاف كيلو متر في أقل عشر من الثانية وهو وقت طرفة العين تقريبا. كما أنه يجب الاعتقاد بأن من الجن من هم مسالمون وأهل صلاح وطاعة لله ورسوله في كل ما أمر به ونهى عنه كما قال تعالى (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)، ففي هذه الآيات دلالات واضحة على أن من الجن أهل إسلام وطاعة لله ورسوله بل هم آمنوا بالرسول قبل أي أحد من البشر ويشهدون أيضا أفعال الخير للمسلمين كما قال تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)، وحسب التفاسير فإن الملائكة تشهد هذه القراءات وقال الرازي حتى الصلاح من الجن يسمعون القرآن آيضا عند تلاوته. فهل هذا الاختراع (الخرافة) يلقط الجن والشياطين والملائكة والصلاح أيضا أم هو خاص بالعفاريت..