لفتت نظري دراسة مترجمة منشورة في مجلة الثقافة العالمية اختارت لها المترجمة عنوان (إدخال نظام الفلسفة في رياض الأطفال في اليونان)، وهي من إعداد الباحثتين رينا جاسباراتو وماريا كامبيزا، وترجمة سارة عجلان العجلان. تنبثق فكرة الدراسة من دعوة ماثيو ليبمان، أستاذ المنطق في جامعة كولومبيا ومؤسس فلسفة الأطفال، إلى دمج المفاهيم الفلسفية ضمن برامج الأطفال التعليمية، مبررا دعوته تلك بأنه لاحظ أن غالبية طلابه في الجامعة يفتقرون إلى مهارات التفكير النقدي؛ لكونهم لم يتعلموا في سن مبكرة كيف يفكرون، وأن الانتظار إلى سن النضج لتعليم التفكير، ليس يكون متأخرا فحسب، وإنما أيضا يصير فيه تعلم التفكير أصعب؛ لذا هو يحث على البدء في تعليم التفكير منذ سن مبكرة جدا. تشير الدراسات البحثية إلى أن تعلم الأطفال المفاهيم الفلسفية ينمي عندهم مهارة التفكير النقدي والذكاء العاطفي، ويعلمهم الدفاع عن آرائهم وتبرير وجهات نظرهم باستخدام الحجج المنطقية، وذلك يجعلهم أكثر مرونة في تفكيرهم، فيسهل عليهم تقبل الأفكار الجديدة المختلفة، إضافة إلى أنه يسهم في تعميق العلاقة بينهم وبين أقرانهم، وبينهم وبين آبائهم ومعلميهم أو غيرهم من الكبار. تعليم المفاهيم الفلسفية غايته حث الطفل على التفكير والتأمل، خاصة أن الأطفال حسب ما تؤكده الدراسات البحثية في فطرتهم الفلسفة، فهم يظلون يتساءلون عن الأشياء من حولهم، تماما كما يفعل الفلاسفة، ومنذ سن الرابعة تقريبا يصبحون قادرين على مناقشة بعض المسائل العامة، وتقييم سلوك الآخرين، إلا أنه غالبا لا يستفاد من هذه الصفة الفطرية لديهم، فمعظم برامج تعليم الأطفال تكاد تكون خلوا من أي شكل من أشكال الحوار الفلسفي، ربما لأن إدخال الحوار الفلسفي إلى برامج التعليم يتطلب أن يكون المعلمون مدربين تدريبا جيدا للقيام بذلك. فمن المهم أن يكون المعلمون متمكنين من إدارة الحوار الفلسفي بين الأطفال بطريقة فعالة تجعلهم يستوعبون بسهولة أساسيات المناقشة الفكرية الجيدة؛ كالتروي للتفكير قبل الشروع في الكلام، وتعلم تبرير الآراء باستخدام مفردات مثل (لأن) (لماذا) (من أجل) (بما أن) (بالتحديد) (بالتالي) أو غيرها من الأدوات التي تفسر وتوضح أسباب تكون الرأي. ليس هذا فحسب، بل إن إدارة الحوارات الفلسفية بين الأطفال تفيد في تدريبهم على تعلم قواعد الحوار الصحيحة؛ مثل عدم السخرية من الآخرين، وعدم المقاطعة لهم، والاستماع الجيد إلى ما يقولون قبل التسرع بالرد، واحترام آراء الغير، ومنه عدم السخرية من الرأي الآخر أو إصدار حكم عليه بوصفه (صحيحا) أو (غير صحيح). أخيرا، فإن هذا كله لا يتحقق إلا بتوفير بيئة مريحة للأطفال تشعرهم بالحرية والأمن عند التعبير عن أفكارهم.