وزراء خارجية دول الخليح عقدوا في الرياض السعودية اجتماعا استثنائيا يوم السبت 14 فبراير، وكان الاجتماع خاصا بتدارس الأوضاع في اليمن بعد انقلاب الحوثيين شبه الكامل على الشرعية، ولاستباق ما يمكن أن يؤدي إليه الفراغ السياسي لو استمر لفترة أطول، وخرج الاجتماع بتأكيده ضرورة مواصلة الجهود السلمية لانتقال السلطة في الجمهورية اليمنية، وبشرط التزامها بالمبادرة الخليجية وبتوصيات مؤتمر الحوار الوطني بين اليمنيين، ودعت إلى معاقبة الحوثيين بمعرفة مجلس الأمن، وبحسب قرار أممي يندرج ضمن الفصل السابع، وإلا فإن دول الخليج ستقوم منفردة باتخاذ الإجراءات المناسبة، في محاولة لضمان أمن واستقرار اليمن بما يتفق ومصالحها. جماعة الحوثي مثلما نعرف سيطرت على مفاصل الدولة قبل استقالة الحكومة، ثم وضعت الرئيس المستقيل ونائبه ومجموعة من الوزراء قيد الإقامة الجبرية، وصاغت «إعلانا دستوريا» تم تسويقه في 6 فبراير، وفيه نص على حل البرلمان وتكوين لجنة ثورية من الكوادر الحوثية لإدارة البلد في المرحلة الانتقالية، رغم المعارضة الكبيرة في المحافظات اليمنية والمظاهرات اليومية الرافضة، ونفوذ الحوثيين لا يتجاوز العاصمة ومناطق محدودة في شمال اليمن، فيما ينشط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب جنوب وشرق اليمن، وقد أسس بالفعل إمارات تخصه ورفع أعلامه عليها، والحراك الجنوبي يسيطر على سبعين في المئة من النفط، ويفكر في تشكيل مجلس لإدارة الجنوب حتى تستقر الأحوال أو يستقل ويكون حكومة، وألوية الجيش اليمني في الجنوب صارت مغنما لتنظيم القاعدة والحراك، والأمور مرشحة لما هو أسوأ، فقد وقفت روسيا ضد قرار ينتقد الانقلاب الحوثي في مجلس الأمن، ونسفت جهود دول الخليح في هذا الملف على وجه التحديد، وصرحت بأن بعثتها الديبلوماسية لن تغادر، ويظهر أن هناك تعارضا بين رؤيتي المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في أمريكا وبين البيت الأبيض الأمريكي، فالأول يرى أن وصول الحوثيين إلى السلطة يشكل امتدادا إيرانيا في المنطقة ربما عرض جيران اليمن لخطر مباشر، والثاني يقول على لسان متحدثه إن سيطرة إيران على الحوثيين ليست واضحة، بينما إيران نفسها وكما نشر في موقع «شفاف» الإيراني مؤخرا، تنظر إلى السيطرة الحوثية بوصفها مؤثرا مهما في المعادلات الإقليمية، وأن الحوثيين سينضمون إلى الحلف الإيراني في المنطقة، وسجل «شفاف» اعترافا خطيرا مفاده أن قيادات الحوثيين تعلمت وتدربت في إيران، وأن البارزين من هؤلاء كانوا يقيمون في طهران وقم أثناء الدراسة في الجامعات الإيرانية، وأنهم يحملون أفكار الخميني، وبالتالي فما زالت فكرة تصدير الثورة قائمة باختلاف الأدوات وأساليب التنفيذ. المشكلة ليست في الجانب الإيراني أو التعنت الروسي وحده، فقد تناقل الركبان أن جماعة داعش بصدد افتتاح فرع في اليمن، ما يعني أن نموذج العراق وسوريا سينتقل إلى الجمهورية اليمنية، وستكثر المواجهات الدموية بين المختلفين، والاحتمال وارد بأن تولد جماعات متطرفة جديدة، وتبدأ حرب أهلية تشارك فيها القبائل والجيش، وستضطر المملكة لفتح الحدود واستقبال اللاجئين والنازجين، كما حدث مع العراقيين في حرب تحرير الكويت، وستتحمل أعباء مالية ضخمة وجزءا كبيرا من الأزمة الإنسانية المتوقعة في اليمن، إضافة إلى أن مضيق باب المندب يحتاح إلى تأمين من الأقوياء في المنطقة، حتى لا يستغل في ممارسة الابتزاز الاقتصادي، بافتراض أن إقرار العقوبات الاقتصادية على اليمن في نسخته الحوثية سيتم بمباركة دولية. المشاورات الخليجية والأممية، وتعليق المملكة لأعمال سفارتها في صنعاء، وتوجيه الإمارت نصائح لمواطنيها بالمغادرة، وسحب البعثات الديبلوماسية الأوربية والأمريكية والتركية -والقائمة مرشحة للزيادة- ومهما كانت الدوافع، يمكن اعتبارها تصرفات جيدة، سوف يترتب عليها بدرجة عالية إدخال اليمن في عزلة سياسية واقتصادية، وقد تجبر الحوثيين على مراجعة أولوياتهم وتقديم تنازلات صعبة، ولكن المتاح أمام المبعوث الدولي جمال بنعمر يحتمل خيارين لا ثالث لهما، أحدهما يتمسك بالدستور والبرلمان المنحل ويطلب إدخال المكونات المستبعدة إلى مجلس الشورى ومن بينها الحوثيين، والآخر يقبل بحل البرلمان وبالهيئة التشريعية المستحدثة، أو في هذه الحالة المجلس الوطني وتبعيته الحوثية، ويشكل بالضرورة اعترافا ضمنيا بالانقلاب والإعلان الدستوري، ولا أتصور أن الحلول السهلة ممكنة في اليمن..