إنا لله وإنا إليه راجعون.. هي العزاء الوحيد في الفقيد الكبير فقد اختاره ربه إلى جواره.. يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي.. تلك كانت هي لسان حال الملايين، والمؤمنون رددوا في إيمان عميق قول حبيبهم محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، وهو يواري فلذة كبده إبراهيم: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون.. نعم لقد كان الحدث كبيرا فرجل في قامة عبدالله بن عبدالعزيز وهامته الشامخة. تأصل فيه نبل ابن الصحراء وفراسة العربي وإيمان المسلم وإنسانية الإنسان.. أعاد للذاكرة حادث استشهاد الفيصل وكيف أحدث رجفة وهزة مدويتين.. وجاء عبدالله ليضيف بعدا جديدا وعمقا بعيدا.. برهن معه أنه حكيم العرب وأحد دهاقنة السياسة العالمية فقط كان ما يميزه عنهم.. الصدق والوضوح والتجرد والبعد عن الشخصنة والغرضانية.. إذ كان -يرحمه الله- يعرض كل ذلك ويمرره لمنظار القاعدة الإيمانية وأخضعه لما يوافق النهج الإيماني.. من هنا تحققت له الدراية والخبرة الطويلة ورجاحة العقل.. إذ نشأ في مهد عبدالعزيز وتتلمذ على يد الفيصل العظيم ونبغ في قراءة الأحداث وأفلح في أن يصمد في وجه الطوفان السياسي وأعاصير الأحداث وأسهم في حلها ببسالة ودهاء وطيلة صبر.. وارتقى وحلق أشواطا بعيدة وكان أحد بل أبرز صناع القرار في إدارة دفة الاقتصاد العالمي.. وتلك شيمة قل أن يتمتع بها أي حاكم غيره. إذ خصه الله بأريحية يندر تواجدها في قائد.. وببساطة كان الملك عبدالله من الشخصيات النادرة التي توافق عليها جميع النقاد والمعلقين ومن يملكون الرأي حتى من الأعداء. إن صناعة التاريخ ليست مهنة وإنما هبة سماوية ومنحة إلهية.. فاز بها -يرحمه الله، ولعل قراءة متأنية ومنصفة تلحظ وتسجل ذلك الحدث الذي أيقظ الليل وانهمرت الدموع وانتحبت كل وسائل ووسائط الإعلام والتقنية الحديثة التي أذابت الفروق والحدود الإقليمية ليصبح العالم قرية واحدة.. لقد أدهش العالم كثافة تلك المشاعر العفوية التي امتازت بالصدق.. والحميمية بين الشيوخ والشباب والرجال والنساء والأطفال. كل أدمت فؤاده المأساة وانطلق كل على شاكلته يترجم ما يلوب في وجدانه.. أحسب أن هذه ملحمة إنسانية لحمتها قائد فذ وسداها شعب وفي مخلص ويقين صادق بأن عبدالله لن يموت بل سيبقى في نفوس شعبه والأمة العربية والإسلامية بل في العالم بأسره وسيحتويه سفر الخالدين النابغين.. الذين خلفوا إرثا كبيرا ومجدا يبقى على مر الأيام والسنين. الملك سلمان وإشراقة الأمل: ويتصدى لإدارة الدفة حكيم ومثقف ورجل دولة ولد في مهد عبدالعزيز فنشأ مع إخوانه في القصر الملكي في الرياض حيث كان يرافق والده في اللقاءات الرسمية مع ملوك وحكام العالم.. وتلقى تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء بالرياض حيث درس فيها العلوم الدينية والعلوم الحديثة وختم القرآن الكريم كاملا وهو في سن العاشرة على يد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- وترعرع في عهد فيصل وتتلمذ على يدى فهد وكان أمينا صادقا مع عبدالله.. ضرب أروع الأمثال في الوعي وإيجابية التعاون وإعلاء الذات.. سلمان الذي مر بمواكب الملوك ولا شك فقد أكسبته خلفية عملية وعلمية سيقوى معها -وفقه الله- على مواجهة هذه الفترة العصيبة ومن خلفه شعبه وفقه الله لفريق عمل يشد عضده (سنشد عضدك بأخيك) ونحن على موعد مع إشراقة أمل جديد يرسخ ما بنته إدارة إخوته الملوك ويكمل المسيرة .. وإن غدا لناظره لقريب.. وحسبي الله ونعم الوكيل.