بدون لغة للتهويل أو التهوين، فإن قطاع غزة بقرابة مليونين من سكانه، وبحصاره الطويل الخانق، ودماره المتراكم غير المسبوق، وبنسبة البطالة التي لا مثيل لها في العالم، وبانفلاته السياسي والأمني، حيث تحكمه حماس وتشارك في حياته السياسية فصائل حائرة في تبرير نفسها، وتعمل فيه حكومة توافق بلا أدنى صلاحيات، وتتوالى فيه رقصات الحرب بلا جدوى، هو في مأزق شديد، ويمكن القول بكل ثقة إنه مازق قاتل، فهل هناك من حل؟. بعد قرابة سبع سنوات على الانقسام، بعد هذه السنوات تقدمنا خطوة فعلية ميدانية باتجاه المصالحة، عبر إعلان أو اتفاق الشاطئ في الثالث والعشرين من نيسان الماضي، وتشكلت حكومة توافق وأمامها جدول أعمال واضح يتمثل في إدارة الحياة اليومية والذهاب إلى الانتخابات، ولكن إسرائيل قطعت خط السير، وشنت ضدنا حربا بدأت في الضفة، ثم تصاعدت بشكل هستيري في قطاع غزة لمدة خمسين يوما، ثم عادت إلى الضفة والقدس وما زالت مستمرة، وحدث تطور مستجد على جدول الأعمال، وهو إعادة الإعمار لما دمرته الحرب الإسرائيلية التدميرية، قلنا لأنفسنا إنه يجب علينا أن نتوحد حول مصالحنا، وحول دمائنا المهدورة، وحول برنامجنا السياسي الذي يشهد تصاعدا وصلا إلى مجلس الأمن وما بعد مجلس الأمن سواء كان قراره إيجابيا أم سلبياً، وقلنا للذين رقصوا رقصة الانتصار، حسنا، سواء اتفقنا أم اختلفنا على توصيف ما حدث، فإننا نريد استثماره في مصلحتنا الفلسطينية، ومصلحتنا الفلسطينية المقدسة بأن يصبح لنا دولة وعاصمتها القدسالشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، كما توافقنا قبل ذلك مليون مرة، وفجأة دخلت الذئاب إلى حديقتنا من جديد، وأصبحت الأحزاب والحركات أهم من الدول، وهكذا تعطل البرنامج الوطني الذي اتفقنا عليه، أصبحت المصالحة عرضة للهجمات بأشكال متعددة، وأصبحت العودة إلى أحضان إيران أهم من العودة إلى أحضان الشرعية الفلسطينية، وأصبح مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة مؤامرة كبرى، أليس هذا ما تسمعونه صراخا كل يوم؟ فهل هناك صراخ أكثر عدمية من ذلك؟ وكيف لا يغرق قطاع غزة في البؤس واليأس معا؟ وها نحن نسمع رقصة الحرب من جديد من قبل المأزوم نتنياهو، وهكذا نسمع من الناطقين العسكريين الذين مع تراجع المستوى السياسي في حماس أصبح كلامهم هو القول الفصل، وحتى هذه اللحظة لم نتقدم سنتيمترا واحدا في إعادة الإعمار، أو في خارطة الطريق التي اتفقنا عليها، بدءا بتشكيل حكومة التوافق، بل إن الضجيج العجيب انتقل فجأة للتشويش على مشروعنا في مجلس الأمن. ما هو الحل؟ ليس سوى العودة إلى ما اتفقنا عليه، وعدم زج أنفسنا في لعبة الآخرين، نفذوا الاتفاقات، نفذوها بنصها وروحها وعمقها وعدالتها، فلا نجاة لكم إلا حبل الشرعية الفلسطينية ينقذكم من الطوفان، ولا مستقبل لشعبكم إلا بدولة تجمع الشتات، وتحرر القرار، وتكفر عن الخطيئة، وتحل طلاسم المأزق، وتعيد الأمل.