لم تكتف واشنطن بأن صوتت ضد مشروع القرار الفلسطيني - العربي المقدم من قبل ممثل العرب في مجلس الأمن والانحياز لجانب الاحتلال الإسرائيلي مجددا، وكما هي عادتها دائما سارعت للإعلان عن معارضتها لإقدام القيادة الفلسطينية على الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية والتوقيع على نحو عشرين معاهدة واتفاقية دولية واعتبرت ذلك بأنه غير بناء. حتى في تصويتها ضد مشروع القرار في مجلس الأمن، أصرت مندوبة واشنطن في المجلس على القول بأن هذا إجراء أحادي وأنه يجب على الطرفين أن يتفاوضا، وهذه أسطوانة باتت مشروخة من كثرة ما رددتها واشنطن وهي تتجاهل حقائق عديدة، في مقدمتها أن التفاوض قد استمر بين الجانبين عشرين عاما دون نتيجة، ثم وهذا هو الأهم أن واشنطن تتناسى أن الحديث لا يدور عن بلدين متجاورين بينهما نزاع حدودي أو خلاف حول مياه مشتركة أو حول شواطئ أو طرق أو ممرات أو أي شيء من هذا القبيل، فوجود السلطة لا يعني مطلقا أن الطرفين يجلسان كل في بلده مرتاحا، بل إن الحديث يدور عن احتلال، ولو كانت الحرب الباردة ما زالت قائمة لكان هناك حديث آخر، أي أنه يحق للفلسطينيين وفق المنطق الإنساني ووفق الشرائع الدولية ممارسة الكفاح وليس القانوني أو الدبلوماسي فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ الرابع من يونيو عام 1967، على كامل أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ثم الأمر المثير للغرابة هو ذلك الذي يثير التساؤل حول كيف يمكن لدولة عظمى لها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، أن تقف ضد لجوء أحد أعضاء المجتمع الدولي للشرعية الدولية لمقاضاة احتلال. الإجابة قد لا تكون بمستوى جدية السؤال لكنها بالقطع تظهر المستوى الذي تتمتع به واشنطن في انحيازها لإسرائيل ضد الفلسطينيين المغلوب على أمرهم المحتلة بلادهم والذين يتجنبون الكفاح العنيف للتمتع فقط بالحرية والكرامة الإنسانية ويلجأون للأمم المتحدة حتى تجد لهم حلا وفق قوانينها الدولية. تريد واشنطن أن يظل الأمر (أمر الفلسطينيين والإسرائيليين) طي الحوار الثنائي بينهما وفي أحسن الأحوال تحت رعايتها ولا شيئا آخر، وهي بالقطع لن تساعد الفلسطينيين بالذات على نيل حقوقهم، ولن تنجح يوما في التوصل بالجانبين إلى حل الدولتين، وهي لا تتجاوز الموقف الإسرائيلي الرسمي فيما يخص ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ونحن نريد دور الوسيط الأمريكي النزيه الذي فقدناه وأصبح من الماضي.