كان عاما مرا بكل المقاييس، نسأل الله تعالى أن يكون هذا القادم أفضل، وأن يرحمنا سبحانه بمساعدتنا على تغيير ما بأنفسنا، فالأيام والسنون لا تتغير إن نحن لم نتغير. لست بصدد استعراض أحداث العام معكم، جميعنا يعرفها وعايشها، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو العالمي، وهي مبثوثة على كل حال بصحف الأمس واليوم، ولا أنا بصدد استخلاص العبر والمواعظ من هذه الأحداث، هذه مكانها الجوامع والمساجد ولها رجالها، هي مجرد ملاحظات هامشية على فعل الأيام فينا، كيف لا يتجاوز تأثيرها سوى ما تضيفه لأعمارنا من أرقام، وسوى هذه التغيرات الظاهرية الطفيفة على الملامح ولا تكاد تصل للتعقل؟ كيف، وبعضها مؤلم وجارح، نمضي بعدها عائدين لما كنا فيه، كمن يرى جنازة أو حادث سير مفجعا يتلاشى تأثره بما رأى بمجرد غيابه عن ناظريه؟ للعقل البشري قدرة رهيبة على تكييف الأشياء، يحتال العقل أحيانا حتى على نفسه، يقنعك بارتكاب خطأ ما وأنت موقن أنه خطأ، ليست النفس فقط الأمارة بالسوء، العقل أيضا بتبرير الخطأ؛ لذا قال عليه الصلاة والسلام استفت قلبك، والقلب، برغم تعظيم القرآن الكريم للتفكر والتعقل والتدبر، يسعف ليس في أمور الدين وحسب، بل وفي كل شؤون الحياة، فعقل غير مؤمن، أو لا يؤدي للإيمان هو عقل دنيوي مادي بحت، القلب هنا يصنع الفرق، هو الاطمئنان الذي يخلقه توافق، بل تفاعل العقل والقلب، لذا هتف سيدنا الفاروق رضي الله عنه: «اللهم إيمانا كإيمان العجائز». العقل البشري مخادع، يغررك بالقول إن ما جرى لغيرك لن يحدث لك إن أنت احتطت أكثر، يعظم من قدرته على التحوط رغم يقينك أنك ترجو السلامة وأنت لا تسلك مسالكها، يمنطق لك المتناقضات كأنما السفين سيجري على اليبس. هل يعقل مثلا أن ما زال بعضنا يمارس العنصرية والطائفية والمناطقية عالما بما جرته على دول كثيرة حولنا، هل من المنطق أن يشغلنا البعض بقضايا هامشية جانبية كالاختلاط وكشف وجه المرأة وقيادتها، وهي أمور خلافية، عن قضايا وجودية هامة كدعم وحدتنا الوطنية تقوية لجبهتنا الخارجية، وكالإصلاح ومحاربة الفساد حماية لجبهتنا الداخلية؟ التغير سنة كونية لمواكبة الحياة، وما لم نؤمن بالتغيير، والإيمان لا يتم إلا بالعقل والقلب، فلن نتغير أبدا.