عندما تغضب فإنك تغتال العقل وتحتال على الحقيقة، وتذهب عميقاً في غابة التوحش، متحالفاً مع الضواري، والكواسر، وكونك لا تملك المخالب والأنياب، فإنك لا محالة، مهزوم، مكظوم، مغموم، مكلوم، مأزوم، ومحطم، ومهشم، ومثلم، وملجم، ومعتم، ومغتم.فعندما تغضب، فإنك تطيح بالقيم العليا، وتتجرد من إنسانيتك، ولا تبقى سوى النفس الأمارة، التي تدفعك دفعاً، لكي تتخذ القرارات الدميمة الذميمة، الأثيمة، اللئيمة، العديمة، السقيمة، وجميعها تصب في خانة الجريمة، التي يتحاشاها العقل ودائماً ما يقف ضدها، ويقمعها، ويمنعها، ليحتفظ بإنسانية الإنسانية، ويحفظ له وده، مع الحياة التي بنيت على أعمدة التعقل، والتمهل، والتدلل، والتعلل، في اتخاذ القرارات التي تقوم عليها علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان ببيئته.فالغاضب أحمق، والأحمق يحرق ويغرق، ويسرق، ويغرق، ويغلق نوافذ الوعي، فلا يرى إلا نفسه، وبعد فوات الأوان، يجد هذه الذات، قد ضمرت وانكمشت وتهشمت، وانحسرت وانكسرت وانبجس عنها كائن بائس عابس يائس لا يقوى على مواجهة الواجهة فيضطر إلى الانزواء والانحناء والانثناء والاكتواء والالتواء، والانتهاء إلى غايات الإفلاس الكلي في علاقاته بالآخرين. فكم من الأزواج، طلقوا بعد انطلاق شرارة الغضب التي أحرقت أعشاب العقل، فصالت النفس الأمارة، وجالت في غابة النجس والرجس، والنحس.. وكم من الأشخاص أقدموا على ارتكاب جرائم نكراء، بفعل ثقب الأوزون، الذي أصاب النفس فارتفعت حرارة الغضب، فيبست الأرض، وعجفت الأشجار، فارتجف الغاضب واستخف ونسف وتعسف وخسف، وكسف، حتى دخل في النفق الأسود مصفداً بالأغلال. فالغضب نار القلوب، واضطراب الدروب، هو في المعنى الحزام الناسف الذي يحرق صاحبه، كما يفني الآخرين، الهدف والمغزى فقدان الوعي، وانحلال القيم الإنسانية، هو في الجملة الفعلية، فعل بضمير غائب، وعقل خائب، وقلب شائب، وحس بحزمة من خرائب، وعواقب، ونواكب، ومصائب، وعجائب، وغرائب، ومذاهب تملصت من نفسها المطمئنة، وغاصت في أتون مستنقعات محتقنة.. الغاضب مهزوم لأنه يفقد تعاطف الآخرين معه حتى ولو كان صاحب حق، الغاضب مهزوم، لأنه هزم نفسه قبل أن يهزمه الآخرون، باشتعاله كعود ثقاب، ينطفئ لمجرد نَفَسٍ خفيف، لكنه الانطفاء الذي يعلن نهاية كائن لا عودة لوجوده، ككائن عاقل فاعل، متفاعل، متفائل، متقابل مع الآخر، بنفس رضية عفية شفية، متصالحة غير جارحة، منطلقة غير مطلقة، عتيدة لا عنيدة، ملهمة لا مبهمة.الغاضب، كائن شاحب مقتضب، منتهب، وفي مخاصمته نكِب، وفي مصادقته ضرب من الكذب.