أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي.. وتكبر في الطفولة يوما على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا مت، أخجل من دمع أمي! هذه الأبيات لمحمود درويش وروى بنفسه قصتها قائلا: «عندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة، ولا أنسى حزنها عندما سكب السجان القهوة، ولا أنسى دموعها. لذلك كتبت لها اعترافا شخصيا في زنزانتي على علبة سجائر (أحن إلى خبز أمي)». وقوله أخجل من دمع أمي، ذكرني برثاء المتنبي لجدته، وقصته أنها بعثت إليه «أني مشتاقة فتعال»، فشد الركاب ليزورها، ولكنها رحلت بالحمى، قبل أن يصلها شاعرنا فقال قصيدته: «لا أري الأيام حمدا ولا ذما»، ومنها نقتطف: لك الله من مفجوعة بحبيبها قتيلة شوق غير ملحقها وصما أحن إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضما بكيت عليها خيفة في حياتها وذاق كلانا ثكل صاحبه قدما طلبت لها حظا ففاتت وفاتني وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصما وكنت قبيل الموت أستعظم النوى فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى هبيني أخذت الثأر فيك من العدى فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمى وما انسدت الدنيا علي لضيقها ولكن طرفا لا أراك به أعمى فوا أسفا ألا أكب مقبلا لرأسك والصدر اللَّذيْ ملئا حزما وألا ألاقي روحك الطيب الذي كأن ذكي المسك كان له جسما ولو لم تكوني بنت أكرم والد لكان أباك الضخم كونك لي أما والبيت الأخير؛ عده طه حسين من سقطات أبي الطيب، فكيف يمدح الابن أمه بأنها أنجبته؛ ولكن غيره فهم أنه امتنان المتنبي لها، لا للآخرين. فالحوار جواني، بين كل ابن وأمه، وإن بث للعلن. وأختم بأبي العلاء المعري، الحكيم الذي يرى نفسه طفلا رضيعا، إذ يرثي أمه في قصيدة، فيقول: مضت وقد اكتهلت فخلت أني رضيع ما بلغت مدى الفطام وفي أخرى يقول: إذا نمت لاقيت الأحبة بعدما طوتهم شهور في التراب وأحوال حفظ الله أمهاتكم فيكم، أحياء وإن متن!.