صباح الاثنين الماضي افتتح سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح المؤتمر العالمي عن دور المرأة في العمل الخيري الذي نظمته وأشرفت عليه الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، وبطبيعة الحال حضر الحفل ولي العهد وعدد كبير من المسؤولين والأعيان إلى جانب المدعوين الذين كنت واحدا منهم، ورمزية حضور الأمير وأركان الدولة هو إعطاء زخم قوي لفكرة المؤتمر وأهدافه خاصة أن المدعوين للمشاركة فيه نخبة من العالم العربي والإسلامي ومن صانعي القرار فيه. الجميل في هذا المؤتمر أن المرأة هي عنوانه الرئيس، وأنها التي شاركت بقوة في وضع تفاصيله، والأهم أن المرأة شاركت أكثر من الرجل في الحديث والنقاش والحضور أيضا، وهذه الظاهرة أراها لأول مرة ؛ فقد تعودنا أن الرجل هو الذي يتحدث عن قضايا المرأة وكأنها لازالت قاصرة وتحتاج إلى ولاية حتى في الحديث عن شؤونها الذاتية !!، هذا المؤتمر قلب المعادلة المألوفة حيث فرض الوضع القائم على الرجل أن يحضر مستمعا في الغالب إلا إذا وجد فرصة وقليلا ما كانت تحصل له !!. استمعت إلى وزيرات وسفيرات وعضوات في مجالس الشورى ونساء أعمال ومسؤولات في دولهن ومثقفات على تنوع ثقافاتهن ومن مختلف أنحاء عالمنا العربي والإسلامي، بعضهن تحدثن بلغتهن الأجنبية أكثر من لغة وكانت هناك ترجمة فورية أتاحت للحضور متابعة ما يقال، واستمعت أيضا إلى المناقشات التي كانت تجرى بعد كل ندوة، وقد أكدت كل تلك الندوات التي كانت تستحضر إحصاءات جيدة أن دور المرأة في العمل الخيري على تنوعه كان كبيرا وأنه في الكثير من الحالات كان أكبر من دور الرجل !!، كما أكد أيضا أن العادات والتقاليد الموجودة في بعض البلاد لم تحل دون مساهمة المرأة في العمل التطوعي في الأزمات والحروب بل إن بعضهن استشهد فيها أثناء قيامهن بالمشاركة الفعلية في الجهاد أو في مساعدة المجاهدين وذلك على غرار ما حصل في الكويت أثناء غزو صدام لها أو في حرب البوسنة والهرسك وغيرها. التاريخ قديمه وحديثه يسرد لنا وقائع كثيرة عن مساهمة المرأة في كافة الأعمال الخيرية ومن الصعب استحضار شواهد كثيرة في مقال ولكني أذكر على سبيل المثال: أم المؤمنين خديجة وعائشة رضي الله عنهما وكذلك الشفاء القرشية التي ولاها عمر رضي الله عنه على الحسبة في الأسواق وأثبتت كفاءة عالية، وأيضا السيدة زبيدة التي اشتهرت بالأعمال الخيرية المتعلقة بالحجاج، وأخريات كثيرات على مر العصور، ولعلي أذكر هنا الفاضلة (صولت النساء) التي بنت مدرسة بجانب الحرم المكي سنة 1290ه ، وبنت بجانبها سكنا للطلاب، ولعل القليل من يعرف أن المشرف على المدرسة وضع قواعد لها منها : الابتعاد عن الخلافات المذهبية والسياسية والعصبيات القومية !!، ولو أن هذه القواعد طبقت في عالمنا العربي لتخلصنا من مشكلات كثيرة أصابتنا في الصميم. أعجبت كثيرا بتجربة السيدة نسيبة المطوع في المدارس التي تشرف عليها والتي بنتها على مفهوم الإيجابية والمشاركة فيها بدلا من النقد والتذمر من الدولة أو المجتمع دون المشاركة الإيجابية القائمة على نشر قيم الحب والتسامح، كما بهرتني تجربة السيدة أدنا إسماعيل من الصومال التي كانت وزيرة ونالت مناصب أخرى عالية ولكن وضع بلدها المحزن جعلها تتفرغ لبناء مستشفى مما تجمعه من تبرعات قليلة ومما تملكه، وتم لها ما أرادت بعد أربع سنوات، وبسبب الحرب الأهلية التي لازالت موجودة كان لهذا المستشفى دور كبير جدا في إنقاذ مئات من أرواح المحتاجين. تجارب عملية كثيرة استمعنا إليها قامت بها نساء رغم كل العقبات والمخاطر ؛ فهناك بناء مدارس ومستشفيات وإقامة دورات علمية متنوعة للدارسين والدارسات وهناك مساهمات أثناء الكوارث والحروب وهناك رعاية للأيتام والأرامل والفقراء، إلى جانب المساهمة في التوعية العامة لحماية الشباب من الانحراف بكل أنواعه. المجتمع لا يمكن أن يقوم بدوره دون مشاركة المرأة في بنائه إلى جانب الرجل، وقد أثبت الواقع أن المرأة إذا أعطيت الفرصة للمساهمة فإنها قد تتفوق على الرجل أحيانا خاصة في بعض القضايا التي تكون فيها أكثر قدرة وصبرا من الرجل، وإذا كان لكل مجتمع ظروفه فإن ظروف الكثير من البلاد العربية والإسلامية وكذلك ظروف الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب تقتضي مساهمة المرأة في معظم الأعمال، وقد استمعت من مجموعة ممن حضروا المؤتمر إلى الأدوار الكبيرة للمرأة التي أثبتت قدرتها على القيام بها خاصة الأعمال الخيرية والتطوعية بكل أنواعها. الشيء الذي أود الإشارة إليه هو أن الرجل خاصة في بلادنا حيث لا تعطى المرأة فرصة كافية للتعبير عن نفسها يتحدث عما يريده هو من المرأة لا عما تريده المرأة لنفسها!!، وفي هذا المؤتمر الذي تحدثت المرأة بنفسها سمعنا شيئا مغايرا حتى من الدكتورة ميرفت التلاوي التي أكدت أن الإسلام هو المنهج الذي لا يجب للمرأة الخروج عنه !!. الإخوة في الهيئة وعلى رأسهم الدكتور معتوق المعتوق بذلوا جهودا كبيرة في الإعداد للمؤتمر وأبحاثه والمتحدثين فيه فلهم الشكر، ولعل القضايا التي طرحت ونوقشت وأيضا الوثيقة التي أعدت تكون بداية جيدة لتمكين المرأة من القيام بأدوارها في خدمة دينها وقضايا بلادها بصورة كبيرة وفاعلة، ولعل المجتمع وقادته يدركون قدرة المرأة على تحقيق نفع كبير لمجتمعها فيقفون إلى جانبها ليكون مجتمعهم صحيحا قويا يطير بجناحيه إلى الأفضل.