شروط الحصول على التراخيص لإقامة المشاريع الطبية تحتاج وقفة وإعادة نظر بعد التغييرات والتعديلات الأخيرة التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية على هذه الشروط، وكان من أهمها السماح للتاجر والمواطن العادي بالاستثمار في هذه المشاريع بعد أن كانت ولسنوات طويلة حكرا على الأطباء أو التاجر بشرط مشاركته طبيبا سعوديا ولو كانت نسبة هذا الطبيب لا تتجاوز الواحد في المائة. اختلفت أنظمة وقوانين منح المواطنين تراخيص الاستثمار في المشاريع الطبية باختلاف الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة الصحة، وكان بعضهم وهذا ما قبل أو أيام إدارة الدكتور أسامة شبكشي للصحة يسمح للتجار بالاستثمار في المشاريع الصحية كالمستوصفات والمجمعات العامة والمتخصصة وبملكية منفردة ومباشرة بحيث يكون الترخيص والسجل التجاري للمشروع باسم المستثمر الغير طبيب. حدث بعد ذلك وعلى ما أذكر أثناء فترة إدارة الدكتور حمد المانع للصحة، إضافة شرط أن يكون المستثمر المواطن طبيبا أو أن يشارك طبيبا للحصول على تراخيص فتح مستوصفات وعيادات عامة أو متخصصة، واستمر هذا الشرط إلى إدارة المهندس عادل فقيه للصحة الذي غير في لائحة التراخيص الطبية وقبل أسبوعين فقط من تعيين الوزير الجديد، حيث سمح المهندس فقيه للمواطن العادي الاستثمار في مشاريع الصحة بشرط أن يكون المشرف على المنشأة أو المشروع الذي يقدم خدمة علاجية طبيبا سعوديا، وكان هذا التغيير هاما جدا وبعث مزيدا من الطمأنينة في قلوب المستثمرين الذين كان بعضهم يتحايل لاستخراج التراخيص المطلوبة بصياغة عقود شراكة مع بعض الأطباء نظير أجر شهري أو سنوي محدد، وهي عقود معظمها وهمي وعلى الورق فقط لتسهيل حصول هذا المستثمر على الترخيص المطلوب من وزارة الصحة. الشروط تقريبا في مجملها لم تتغير باستثناء شرط الملكية الذي أوقف التستر وسمح لغير الطبيب الاستثمار في المشاريع الطبية مع التأكيد على أن يكون الطبيب السعودي مشرفا على المشروع، وهي عقبة تضاف لعقبة شرط الاستشاري المطلوب في كل تخصص. والسؤال هنا هل الأطباء السعوديون الذين لم تتجاوز نسبتهم إلى الآن 20% من إجمالي الأطباء الممارسين في السعودية، هل هم بهذا العدد الكافي الذي يجعلنا نتجرأ ونشترط وجود طبيب سعودي مشرف في كل عيادة ومستوصف خاص، وأن يكون متفرغا تفرغا تاما ولا يعمل في القطاع الصحي الحكومي، ويسجل اسمه وعمله وتفرغه لفرع طبي خاص واحد فقط؟.. سؤال يحتاج جوابا ممن يظن أن المستشفيات الحكومية المتزايد عددها وعدد سررها المتنامي ليست في حاجة لهذا الطبيب السعودي، أو أنها محاولة غير مباشرة للحد من منح التراخيص الطبية للقطاع الخاص. وطالما أننا في دوامة الشروط فهناك العقبة الكبرى لكل مستوصف أو مجمع عيادات متخصص أو عام وهي وجود استشاري في كل تخصص، ولنتخيل مستوصفا طبيا متخصصا في ثلاثة تخصصات مثلا، المطلوب للحصول على ترخيص لفتح باب هذا المستوصف المتخصص ثلاثة استشاريين أي واحد لكل تخصص، ولمن لا يعلم لا يوجد اليوم استشاري في تخصص إكلينيكي متفرغ حاصل على شهادة تصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية كاستشاري راتبه أقل من 30 ألف ريال هذا في المتوسط وإن وجد، وهناك تخصصات رواتب الاستشاريين فيها أعلى من ذلك بكثير. والسؤال هنا أيضا الذي يطرح نفسه ماذا سيضيف الاستشاري لعيادة أو مجمع عيادات عام أو متخصص وهي لا تقدم رعاية صحية إلا من الدرجة الأولى في الغالب، أي لا توجد في هذه المشاريع والعيادات والمجمعات الطبية عمليات جراحية ولا تشخيص وعلاج بالمناظير ولا عمليات قلب أو أي علاج متقدم، فلماذا نرفع من تكلفة تشغيل هذه المراكز التي بدورها ترحل هذه التكلفة وتجعلها من ظهر المواطن المريض الذي لا يغطيه أي نظام تأمين طبي إلى الآن. من الأجدى والأفضل استبدال شرط وجود الاستشاري لكل تخصص في المجمعات الطبية الخاصة (العامة أو المتخصصة) بأخصائي أو نائب أول ممن حصلوا على تخصص متقدم أو ماجستير في أحد أفرع الطب المختلفة وطبقا للتخصصات المراد وجودها في المشروع الطبي المزمع إنشاؤه، وبذلك نمنع التغطية والتلاعب الذي انتشر حاليا باستقدام استشاريين غير متواجدين فعليا ووجودهم على الورق فقط مع ضمان تأشيرات الخروج والعودة ولعدة سفرات على جوازاتهم.. والله الموفق.