14 وزيرا للصحة تعاقبوا على إدارتها ولم يجدوا حلا للتأمين الصحي منذ العام 1370ه وحتى تاريخ إعداد هذا التحقيق، 14 وزيرا لم يسهموا في التعجيل بهذه الخدمة الحيوية على الرغم من الدراسات والمناشدات التي أطلقها المواطنون، وفي ظنهم أن التأمين يخفف عليهم عبء المستشفيات ويخفف عن المستشفيات العبء، ويوقف الهدر المالي في الوزارة.. فضلا على أن التأمين الصحي يمنح المواطن خيارات صحية أكبر مع تعزيز مستوى الجودة والمهارة وسرعة العلاج. وزارة الصحة في عهد وزيرها الأسبق حمد المانع أعلنت من قبل عن مشروع للتأمين الطبي على المواطنين، لكن المشروع تعثر فيما بعد، إذ رأى الوزير السابق للصحة الدكتور عبدالله الربيعة، أن تطبيق التأمين الطبي للمواطنين ليس بالأمر السهل، ولا يمكن قياسه بتجربة تطبيق التأمين الطبي للمقيمين، وأكد الربيعة في تصريحات صحفية سابقة أنه تم الانتهاء من دراسة المشروع وتم رفعه للجان العليا لدراسته، وأكد حينه أنه جرى دراسة 13 نظاما صحيا في العالم لاختيار التأمين الصحي المناسب للمملكة إلا أنه غادر كرسي الوزارة أخيرا دون أن يجد حلا لهذا النظام، والذي طال أمد انتظاره ولم يتحقق. تطبيق تدريجي المواطنون الذين عاشوا تجربة تطبيق التأمين الصحي على المقيمين العاملين في كل القطاعات يرون أنه من الأفضل أن يشملهم التأمين خصوصا العاملين في القطاع الحكومي، ولا سيما أن هؤلاء أفنوا زهرة شبابهم في الخدمة، ومنهم من لا يزال في الخدمة، ومنهم من غادر متقاعدا، فلماذا لا ينعم بالتأمين الصحي؟ يقول الدكتور فيصل عسيري (الخبير في مجال التأمين): إن البنية التحتية لعمل شركات التأمين غير كافية، كما أن العدد الحالي في السوق لا يكفي لإقرار نظام التأمين الصحي على المواطنين. مشيرا إلى أن صحة المواطن بكل مستوياتها من مسؤولية الجهات المختصة. وأضاف: في حال إقرار التأمين لا أتوقع أن تلجأ وزارة الصحة لخطوات مستعجلة في تطبيقه دون وجود دراسة كاملة وترتيبات مسبقة، ومن الممكن أن يتم التأمين على شكل دفعات، كأن يتم البدء بموظفي الصحة أو المعلمين؛ كونهم شريحة كبرى ولا توجد لديهم مستشفيات متخصصة على غرار العسكريين على أن اختيار شريحة معينة لتطبيق التأمين بهدف تصحيح الأخطاء بشكل فوري قبل تطبيقها بشكل كامل على كافة المواطنين. بيروقراطية وانتظار نوف عمر ترى أن شركات التأمين لا ترتقي لمستوى الطموحات حال تطبيق التأمين الصحي، مشيرة إلى تجربتها الذاتية ومعاناتها الشخصية عندما تراجع مع والدها المشمول بالتأمين الصحي، كونه موظفا سابقا في شركة خاصة، والذي يحدث فيه كثير من التعقيدات والبيروقراطية، ولا بد من الحصول على الموافقة والانتظار الطويل لإنهاء إجراءات عمل أشعة أو تحليل أو صرف دواء ويظل المريض يعاني من هذه الاستطالة غير المبررة، وهو الأمر الذي يبدد المقصد من التأمين المقصود منه السرعة وكسب الوقت، وقد تحدث مشكلات مالية مستقبلية على المريض ما ينعكس سلبا على صحة المؤمن له. وتقترح نوف رفع الكفاءات الطبية والصحية والفنية في المستشفيات الحكومية وتحقيق أعلى جودة من الخدمات فيها بدلا من إقرار التأمين الصحي الذي صاحبت تجربته عوائق كثيرة. على ذات الاتجاه، تمضي دانيا كابلي وتضيف: ومع كل الذي قالته نوف فإنه من الضروري تطبيق نظام التأمين الصحي على المواطن لأن إجراء كهذا سيسهم في التخفيف عن الدولة ووزارة الصحة، كما أن التأمين سيفتح الخيارات أمام المواطن، فمثلا لدينا أكثر (530.000) معلم ومعلمة، وهذا الشريحة الهامة لو تمت تغطيتها بالتأمين، وفتحت لها الخيارات سيحد كثيرا من الأعباء التي تتكفلها الدولة في علاجهم وأسرهم، والحالة تنطبق على القطاعات الأخرى. الاهتمام بالأرباح موفق الغامدي قال: لدينا حاليا في المملكة تجربة التأمين الصحي على الوافدين، ويفترض أن يتم النظر فيها، وتفادي سلبياتها ومعالجتها والأخذ بإيجابياتها وتعزيزها قبل إقرار نظام التأمين الصحي للمواطنين، ومن المفترض أن تلك التجربة ستساعدنا في تطبيق التأمين بصورة صحيحة وأن يكون الجميع عارفا وملما بتفاصيل النظام، حتى يتمكن من الإفادة منه بشكل كامل، ويحقق البرنامج الهدف من إقراره. من جانبه، يرى حسين حارث أن شركات التأمين ترغب فقط في جمع مزيد من الأموال دون تقديم عروض حقيقية تخدم المؤمن عليه، معتبرا أن تطبيقه في الوقت الحالي غير مجد، لأنه سيطبق دون تحديد مستوى خدمات مميز وواضح، مبينا أن مستوى الخدمة في المستشفيات الحكومية غير مؤهل للوصول إلى مرحلة التأمين الصحي على أرض الواقع. مشيرا إلى أهمية تقديم الخدمات على أساس الحاجة الحقيقة التي تعرف من خلال الدراسات والأبحاث الجادة لا التجارية. ويرى محمد الشريف أن ارتفاع معدل النمو السكاني في المملكة وزيادة تكلفة الرعاية الصحية والارتفاع الكبير في أسعار الكشف الطبي في المستشفيات الخاصة والفحوصات الباهظة الثمن وزيادة قيمة الأدوية مع زيادة أعداد المراجعين للمستشفيات الحكومية وعدم قدرتها على استيعاب تلك الأعداد الكبيرة كان يتطلب إقرار نظام التأمين الصحي. نجاح مشروط في المقابل، يرى الدكتور رضا خليل (المستشار السابق لوزير الصحة) أن مشروع التأمين الصحي الذي ستطبقه الوزارة على جميع المواطنين، سيكتب له النجاح في حال أبعدته الوزارة عن شركات التأمين الطبي التجارية كما أنه لا بد من إنشاء صندوق حكومي غير ربحي لتطبيق المشروع. وفي جانب آخر، يرى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في دراسة له أن أغلبية المجتمع السعودي خاصة الموظفين الحكوميين وعائلاتهم لا يملكون تأمينا صحيا إلى جانب معاناة شريحة كبيرة من المجتمع من تكاليف العلاج. في حين أكدت الدراسة أن 65.2 % من أفراد المجتمع يرون أن من فوائد التغطية التأمينية الصحية تخفيف الضغط الحاصل على المستشفيات الحكومية. الحل في الخصخصة.. اطرحوا المستشفيات الحكومية في مناقصات عامة رئيس لجنة الخدمات الصحية في مجلس الغرف التجارية السعودية، رئيس لجنة اللجنة الصحية في غرفة جدة سابقا، رئيس مجموعة مستشفيات السعودي الألماني المهندس صبحي عبدالجليل بترجي قال إن التأمين الصحي لموظفي القطاع الحكومي خطوة مهمة وجادة نحو علاج ملايين الموظفين لكن المنشآت الطبية في القطاع الصحي الخاص لا تستطيع ان تستوعب 15-20 مليون مواطن وهي بالكاد حاليا توفي باحتياجات موظفي القطاع الخاص من السعوديين والوافدين. وأضاف المهندس بترجي: اذا اردنا ان نأخذ امر التأمين الصحي للمواطنين بصفة عامة مأخذ الجد وأن نضع تأمينا طبيا سريعا وفاعلا لهم يجب قبل ذلك تخصيص المستشفيات الحكومية بمعنى ان تعمل وزارة الصحة على طرح مستشفياتها في مناقصات عامة امام القطاع الخاص والمستثمرين لتولي ادارتها وتشغيلها. وهذا الامر امامه تحديات كبيرة لعل اهمها العمالة في تلك المستشفيات الحكومية واعدادهم الكبيرة. وعلى المشغل لتلك المنشآت ان يقوم بتشغيلها بميزانية لا تزيد على 80% من الميزانية المخصصة على ان تلتزم الشركة الخاصة بتحمل كافة المصاريف من رواتب واجور العاملين وتكلفة العمليات والدواء وكل الجوانب الاخرى بشرط ان تسدد تكلفة تشغيل تلك المستشفيات وعلاج المواطنين ضمن الميزانية المذكورة 82% من التكلفة الحالية. الإقالة أو الاستفادة المهندس بترجي استطرد قائلا: امر كهذا لا تكون له اي التزامات على الدولة الا في ما يتعلق بدفع تكلفة علاج المؤمن عليهم من المواطنين عن طريق بوليصة التأمين التي تتحملها الدولة وباختصار عند تشغيل مستشفى حكومي فالامر مثلا يكلف 100 مليون ريال شاملا كل الجوانب فهو عند تخصيصه واسناده للقطاع الخاص يصل الى 80 مليون ريال على ان يعالج نفس اعداد المرضى الذين عالجهم المستشفى الحكومي قبل تخصيصه بنفس نوعية الخدمة وانواع العمليات التي تجرى. ويشدد بترجي على ضرورة ترك الحرية للقطاع الصحي الخاص لكي يبقي على الموظفين الموجودين في المستشفيات او احالتهم للتقاعد وبالتالي يتمكن القطاع الخاص من ادارة المنشآت الحكومية التي تم تخصيصها باحتراف وبميزانية اقل ب20-25% من الميزانية السابقة كما يتم صرف تكلفة مبالغ العلاج وتشغيل المستشفى عن طريق بوليصة التأمين التي تتكفل بها الدولة. توفير 50 ملياراً وأبان بترجي ان الدور الحكومي سينتقل في حالة تخصيص المستشفيات الحكومية من المشغل والمشرف الى دور المراقب من خلال التشريعات التي يضعها او يقرها ويكون الدور الحكومي مختصا بالاشراف والمراقبة ومراجعة الخدمة المقدمة وفي حال الاخلال يتدخل على الفور من خلال الجهة المسؤولة لوضع غرامات مالية على الشركة المشغلة. وأكد بترجي ان تخصيص القطاع الصحي والمنشآت الطبية الحكومية سيحل الكثير من العقبات امام مشاكل علاج المواطنين ونوعية الخدمة المقدمة لهم وهو ما يخفض الميزانية الممنوحة من الدولة لوزارة الصحة. ويضرب المهندس بترجي مثالا بتكلفة ميزانية الصحة حاليا اذ تزيد على 100 مليار ريال سنويا لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين وبالتالي لو فرضنا ان عدد المواطنين السعوديين 20 مليونا فمعنى ذلك ان تكلفة علاج الشخص الواحد بقسمة 100 مليار على 20 مليون مواطن تساوي 5 آلاف ريال للسنة الواحدة للشخص الواحد علما ان افضل وأرقى بوليصة تأمين حاليا تباع في الاسواق ب2500 ريال كحد اقصى، ولذلك لو منحنا كل مواطن اقصى بوليصة تأمين فمعناه منح 50 مليارا بوالص لشركات التأمين وذلك وفر لميزانية الدولة ب50 مليارا. وقال بترجي ان تخصيص الخدمات الصحية سيودي الى ارتقائها على غرار ما تم فعله عند تخصيص القطاعات الاخرى مثل الهاتف السعودي وشركات الكهرباء والسعودية للتموين الى آخره، فيما تعاني بعض الخدمات من المتاعب لعدم تخصيص قطاعاتها.