أكد المفكر والوزير البحريني السابق الدكتور علي فخرو، أن تحول دول الخليج العربية إلى اتحاد سيحد من أثر العمالة الوافدة التي تصل نسبتها إلى 80% في بعض الدول. وقال أمام المؤتمر العربي الثالث لمراكز الأبحاث والدراسات السياسية الذي عقد في الدوحة أمس تحت عنوان «دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية»، إن قضية الهوية أصبحت هاجسا لأن الغالبية الساحقة من العمالة في الخليج غير عربية، وقال إن عملية إحلال العمالة الوطنية ظلّت بطيئة ومتعثرة، لافتا إلى ما تعانيه دول مجلس التعاون من الاضمحلال التدريجي في لغة شعوبها الأصلية وثقافتها وعروبتها. وأضاف أن متطلبات العولمة أضافت أبعادا أخرى جعلت من إشكالات الهوية أكثر تعقيدا وأكبر خطورة، محذرا من أن ظهور إشكاليات متعاظمة في الحقل التربوي الذي يخضع تدريجيا لخصخصة غير مراقبة وغير عربية في معظمها، يدفع المجتمعات نحو الغربة الثقافية التي تضعف رابطتي العروبة والإسلام لتنتهي في إشكالية هوية كبرى تهدد الوجود العربي في الخليج. وأفاد الباحث القطري سحيم آل ثاني، أن مجلس التعاون يمر بتحديات وصعوبات لعدم تفعيل التكامل وانعدام الانسجام الاقتصادي، مرجعا ذلك إلى عدم تعرض دول الخليج لصعوبات حقيقية مثل التي تعرض لها الاتحاد الأوروبي قبل خمسة عقود. وأشار في ورقته إلى وجود تحديات أمنية تحتاج رؤية مشتركة، وحدد أربعة تحديات أمنية: تنظيم «داعش»، الحوثيون في اليمن، حزب الله، والملف النووي الإيراني. ورأى أن التحديات الاقتصادية قد تظهر بعد عقد، إذا نجح الأستراليون والأمريكيون في استخراج الكميات الكبيرة المتوقعة من النفط والغاز. لكنها لن تزول ما لم تنجح دول الخليج في الانتقال إلى اقتصاد معرفي. فيما يرى الباحث الكويتي الدكتور ظافر العجمي، أن دول الخليج لها استقلاليتها وقادرة على اتخاذ قرارها ورفضت كثيرا من المشاريع الأجنبية، داعيا إلى وقف النفوذ الإيراني. وأكد الدكتور رغيد الصلح، أن إمكانية الاتحاد بين دول المجلس ممكنة وعوامل تعزيز العلاقات قائمة. وتوصلت أستاذة علم الاجتماع في جامعة الدمام عائشة التايب عبر دراسات ميدانية أنجزتها في المملكة، إلى أن ظاهرة العمالة الأجنبية ليست مشكلة اقتصادية صرفة، إنما بالأساس مشكلة ذات بعد ثقافي تتصل بمدركات الفاعلين الاجتماعيين، مشيرة إلى ما تطرحه العمالة الوافدة من تحديات متنوعة وجدية في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية. وقدمت التايب قراءة سوسيولوجية في التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وأكدت على أهمية الفصل المنهجي بين أصناف المهاجرين، ونوعياتهم، وخصائصهم، وطبيعة وجودهم وأزمنتهم، ووضعيتهم القانونية، رغم شح الأرقام وندرة المعطيات الإحصائية الدقيقة المتوافرة حول ظاهرة وجود هؤلاء العمال. وطالبت بأن تنال التحديات حظها من الاهتمام البحثي والرسمي. وشددت رئيس قسم العلوم النفسية في جامعة قطر أسماء العطية، على ضرورة صمود الهوية الخليجية التي تضمن البقاء والاستمرار في عالم متغير. ودعت إلى أن تكون المجتمعات الخليجية على مستوى التنافس وعلى استعداد للتحدي الحضاري مع المرونة والانفتاح الفكري المستثمر لإمكانات الآخر، مؤكدة أن الهوية خط الدفاع الجوهري لبقاء الكينونة الاجتماعية في عالم متغير. وأضافت العطية أن من لا خير فيه لوطنه الأم لن يكون فيه خير لأوطان تستقبله أو حتى تمنحه الجنسية، وتناولت في ورقتها تحديات الهوية في دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية نفسية في ظل عالم متغير ومتنوع ومتعدد الثقافات. واعتبرت أستاذة التاريخ في جامعة الإمارات الدكتورة فاطمة الصايغ في ورقة عن (الهوية والمواطنة تحد جديد لدول مجلس التعاون)، أن الهوية تحد حضاري يمكن أن يتصدى لأبرز التحديات الجديدة التي تواجه دول الخليج في ظل حراك ديموغرافي أفرز الكثير من مظاهر ومعطيات ثقافية أهمها دخول مصطلحات كالهوية والمواطنة الجديدة ما يرتب التزامات كثيرة من الفرد والمؤسسات الحاكمة. وكان المؤتمر انطلق أمس بكلمة للأمين العام السابق لمجلس التعاون عبدالرحمن العطية عن تجربة المجلس والتحديات، وتناول المبعوث الأممي لليمن جمال بنعمر دور المجلس في مقاربة الأزمات الإقليمية.. دروس من التجربة اليمنية. وشارك مختصون في أول ندوة حوارية حول آفاق تطوير مجلس التعاون ودوره في ظل الظروف الراهنة بدءا بالهوية والدولة والمجتمع. وألقى أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة السودان الدكتور أشرف عثمان ورقة عن (الصعود الإيراني وعمليات إنتاج الآخر في دول الخليج العربية) وصف فيها سقوط بغداد بالتراجيديا ومأساة لعصر الدولة العربية الطويل وفاتحة لعصر الفوضى، مؤكدا أن سقوط بغداد الثاني شكل نهاية لعصر وافتتاحا لعصر جديد، مشيرا إلى بروز تداعيات سؤال الهوية في منطقة الخليج بوجه عام إزاء ميثيولوجيا جديدة تتحرك في اتجاه إعادة صوغ ال«الأنا» الذي يسعى لتبرير ذاته، اعتمادا على القلق من اعتداء الآخر المختلف. وأوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر عمار جفال في ورقته «التغير والاستمرارية في الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي» أن منطقة الخليج موضوعة ضمن أولويات العقائد الاستراتيجية للقوى الكبرى. وتحدث أستاذ السياسات الدولية سيار الجميل عن جيوتاريخية المجال الحيوي للخليج العربي المعاصر، مؤكدا أن منطقة الخليج من أهم المناطق الجيوستراتيجية في العالم خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، مشيرا إلى اكتسابها أهمية وحيوية من جيوتاريخيتها منذ القرن السادس عشر، داعيا دول الخليج إلى الاستقرار والتقدم للتعامل مع عولمة المستقبل. وشدد على أهمية التكتلات الإقليمية والعربية وبناء هندسة ضمن مستلزمات سياسية مقيدة بتقديم حلول جديدة تهدف إلى مستقبل إقليمي آمن ومجتمع منتج وفعال.