"عروبة وأمن الخليج العربي" هو عنوان المؤتمر الذي دعت له جمعية الوسط العربي الإسلامي بالبحرين، والذي عقد في العاصمة المنامة، بفندق الريجنسي في الفترة من 20- 22 من شهر مارس، وكان لي شرف تلقي الدعوة لحضوره والمشاركة فيه. وقد مر اليوم الأول من المؤتمر في طقوس بروتوكولية، دون الدخول المباشر في البرنامج الأساسي للمؤتمر. ولم يجر تناول أوراق المؤتمر قبل اليوم التالي. ركزت أوراق المؤتمر على التحولات التي شهدها الوطن العربي، وغدت معروفة بالربيع العربي، وتأثيراتها على عروبة الخليج وأمنه. وقد افتتحت أوراق المؤتمر بقراءة تناولت البعدين، الجغرافي والتاريخي للخليج العربي قدمها الدكتور محمد أحمد، أستاذ الجغرافيا بجامعة البحرين. وفي الورقة الثانية، قدم الصديق الدكتور محمد غانم الرميحي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عرضا شيقا تناول تطور الحراك الوطني في الخليج عموما والبحرين بشكل خاص، وركز على تأثر هذا الحراك بالمناخات السياسية العربية والإقليمية. وقد رأى الباحث أن المخرج الرئيس لمعالجة الأوضاع المتوترة في المنطقة هو اللجوء للحوار، موضحا أنه مهما علت هتافات من هم خارج ملعب كرة القدم، فليس بإمكانهم تسجيل أي هدف. تسجيل الهدف يتم داخل الحلبة وليس خارجها، كما يرى الدكتور الرميحي. أما الورقة الثالثة، فقدمها الدكتور محمد نعمان جلال، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق. وحملت عنوان مصر وأمن الخليج العربي. وكانت أقرب إلى القراءة التاريخية للعلاقات المصرية الخليجية، منها إلى القراءة التحليلية. وتركيز الورقة على التحديات التي واجهتها دول الخليج العربي، وتفاعل مصر مع هذه التحديات. في ورقة أخرى، تناول الدكتور محمد السعيد إدريس، رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ورئيس لجنة الشؤون العربية لمجلس الشعب المصري، ورقة قيمة بعنوان التحديات التي تواجهها منطقة الخليج العربي في ظل الحراك الشعبي. وتناولت التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذا الحراك على أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي. وخلصت إلى نتيجة مؤداها استحالة بقاء أي جزء من الوطن العربي، بمنأى عن التفاعلات مع ما يجري في بقية الأقطار العربية. الورقة الوحيدة التي تناولت جوهر العنوان الذي حمله المؤتمر، هي التي قدمها الدكتور عبدالخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في جامعة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. فقد تناولت المخاطر الإقليمية التي يتعرض لها الخليج. وتحدثت عن لواء المحمرة، الذي تم احتلاله من قبل شاه إيران في النصف الأول من القرن المنصرم، وكيف تمت مصادرة هوية هذا البلد العربي. وتحدث أيضا عن الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها إيران في مطلع السبعينات من القرن الماضي. كما ناقش مخاطر دخول إيران في النادي النووي على أمن الخليج. وتعرض أيضا لرفض القيادة الإيرانية الاعتراف بمسمى الخليج العربي، وإصرارها على تسميته بالخليج الفارسي، آملا أن لا ترتب التسمية هذه أي استحقاقات مفتعلة لإيران في هذه المنطقة. واقع الحال، أن جل الأوراق التي نوقشت رغم قيمتها العلمية لم تتعرض للموضوع الأساس، الذي عقد المؤتمر لأجله، والذي حمل عنوان عروبة وأمن الخليج. لقد جرت مناقشة مواضيع مختلفة، ليست لها علاقة مباشرة بموضوع الندوة. وكنت أتمنى أن يركز الباحثون عليه، نظرا لأهميته البالغة في هذا المنعطف الحساس، والمصيري من تاريخ المنطقة. فالدفاع عن عروبة الخليج لا يمكن اختزاله، في الصراع مع إيران رغم أهمية مناقشة هذا الجانب. هناك مخاطر حقيقية تتعرض لها الهوية العربية الخليجية، ينبغي مواجهتها بجرأة وشجاعة، ودونما تردد. لعل أهمها مشاريع التفتيت التي يراد لها أن تشمل هذه المنطقة. وقد جرى الإفصاح عن هذه المشاريع من قبل بعض القوى الدولية والإقليمية التي تضمر الشر لنا جميعا. وهناك أيضا الخلل الديموغرافي، الذي يواجهه أكثر من بلد خليجي. فبعض الدول الخليجية لا يتجاوز السكان الذين يحملون جنسيتها ال10% من مجموع تعداد السكان، وغالبيتهم من غير الناطقين باللغة العربية. وليس من المستبعد، بل هو الأقرب إلى الواقع أن تلجأ القوى التي تتبنى تفتيت المنطقة، وتحت ذرائع حقوق الإنسان، ومبادئ الأممالمتحدة للضغط من أجل تجنيس هؤلاء. وإذا ما حدث ذلك، لا سمح الله فنحن أمام واقع صعب، أقل مخاطره ضياع الهوية العربية لهذه البلدان. والأخطر أن تكون تلك الخطوة مقدمة لسلخ الخليج عن الأمة العربية، وإفقاده عمقه القومي الاستراتيجي. وفي هذا السياق، يلحظ تراجع اللغة العربية، ليس فقط في الشارع الخليجي، بل وأيضا في المعاهد والجامعات. وللأسف لا تستثنى المعاهد والجامعات الحكومية والرسمية عن ذلك. والواقع أن هناك ترابطا عميقا بين مسألتي الهوية والأمن، لدرجة تجعل من الصعوبة الفصل بينهما. فالحديث عن الحفاظ على الهوية العربية، مسألة لا يمكن أن تضطلع بحلها أي دولة خليجية بمفردها، لأن الحل العملي لها يكمن في تحقيق التكامل الخليجي، وبناء اتحاد يفتح بوابات المواطنة الخليجية على مصراعيها، لتسهم بشكل فاعل ومؤثر في تصحيح الخلل الديمغرافي الذي تعاني منه الكيانات الصغيرة في الخليج العربي. وتحقيق هذا الهدف يستدعي حضور عناصر أخرى مهمة للمناقشة، ليس أقلها إصلاح البيت الخليجي. هناك خلافات خليجية ينبغي العمل بكل السبل على طي صفحتها. وهناك بلدان خليجية تغرد بسياساتها خارج السرب، بما يسهم في خلق حالة ارتباك في العلاقة بين الأسرة الواحدة، ويعطل تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني لهذه البلدان، الذي أصبح مطلبا تهون دونه المصالح الأنانية والخاصة. ينبغي الارتقاء في هذه المرحلة فوق كل الاعتبارات، والعمل على تحقيق المطالب المشروعة لأبناء الخليج العربي، عموما، والمتمثلة في تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة، المعبر عنها بكيان سياسي واقتصادي وعسكري موحد، ننطلق فيه بعزيمة وقوة، في عصر يحترم القوة، وليس فيه أي مكان ودور للضعفاء، لصناعة حاضرنا، وحماية مستقبل أجيالنا القادمة. فذلك وحده الذي يحمي الهوية، ويصون عروبة الخليج، ويحقق أمنه واستقراره. ويبقى محورا الهوية والأمن بحاجة إلى المزيد من التحليل والتأصيل. نقلا عن الوطن السعودية