في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات بترشيد الإنفاق الحكومي وتعزيز سبل التحكم في أعباء الميزانية القادمة لمواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط، طالبت وزارة الصحة بزيادة ميزانيتها 10% لتلبية احتياجات المواطنين (المدينة 5 الجاري)، وجاء في الخبر التركيز على دعم بنود التشغيل الذاتي والأدوية والأجهزة الطبية، والمطالبة بزيادة عدد المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية والطوارئ والإسعاف، وفي السياق لم تنس الوزارة ذكر تهالك البنى التحتية لمستودعاتها، بل القارئ للخبر سيلاحظ أن الوزارة طالبت بدعم كل ما تقدمه من خدمات، فحتى تجهيزات خدمات الأسنان والأشعة والمختبرات عددتها الوزارة ضمن نواقصها، تقصيرها إن أردنا الحق. هل اكتشفت وزارة الصحة كل هذا فجأة أم هو تراكمي تاريخي؟ منذ زمن وميزانية الوزارة من أوفر الميزانيات بعد الدفاع والتعليم، وكان لها بلا شك برامجها ومشاريعها التوسعية التي بنيت على أساسها موازناتها السابقة، أقله الخمس سنوات الماضية، فما نسبة ما أنجز إلى ما تعثر، وكيف تطالب الوزارة بزيادة مع أن نقص خدماتها مستمر منذ أكثر من عشر سنوات، ليس فقط في الأدوية والتجهيزات وعدد الأسرة وطول فترة مواعيد المراجعة، بل في باقي خدماتها حسب إقرارها، ولعل أهمها إهمال الطب الوقائي، فتسللت إلينا الأمراض الوبائية بتوالٍ لا يبشر بتوقف، ثم تأتي بعد كل هذا لتطالب بدعم. واحد من أمرين، إما أن الوزارة عاجزة عن تنفيذ برامجها ومشاريعها، أو أنها غير قادرة على إدارة مستشفياتها وتحسين باقي خدماتها الصحية، وهما أمران أحلاهما مر. المطالبة بزيادة الميزانية إذا أتت من داخل الصندوق «الفكري» الذي لم ينجح لسنوات في تنفيذ برامجه وحل أزماته، ستكون الاستجابة له محفوفة بالمخاطر، ما لم يرفق الطلب بتبرير للفشل السابق وبرهان للزعم بنجاح لاحق. بظني المتواضع أن على الوزارة تنظيف بيتها من الداخل وإعادة ترتيبه وتأهيله بمن يملكون مفاتيح النجاح ويفكرون من خارج الصندوق، النجاح الذي لا يرتبط بالمال والتمويل بقدر ما يرتبط ويعتمد على حسن الإدارة، ولعل الوزارة تفكر في مبدأ التأمين الطبي وتحويل المراجعين إلى المستشفيات الخاصة وتشجيع إنشاء المزيد منها، وأن تركز هي على مستشفياتها القائمة، لعل ذلك يخفف الضغط على هذه المستشفيات ومن ثم تتحسن خدماتها.