يعتبر التعصب الرياضي المقيت آفة اجتماعية قديمة، ولكن خطورته ازدادت ورقعته توسعت بعد انتشار مواقع التواصل وأجهزة الاتصالات الحديثة ودخول الإعلام الرياضي طرفاً أساسياً في تغذية التعصب بدل أن يكون الإعلام هو الموجه للجماهير المحافظ عليها من الانفلات الحريص على اللحمة الوطنية، ومن الطرائف التي سمعتها قبل عدة عقود عن التعصب الرياضي أن أحد النصراويين بنى مسجداً في الرياض وكان على مئذنة المسجد كما هي العادة "هلال" نحاسي يوضع في قمة المئذنة، فلما زار النصراوي المسجد في مراحله الأخيرة من البناء والتشطيب ورأى "الهلال" النحاسي يعتلي المئذنة زمجر في العمال وأمرهم بوضع نجمة نحاسية بدل الهلال! وكان لدى أحد المراجعين حاجة عند مسؤول أهلاوي الانتماء، فأراد أن يقترب إليه لعله يقضي حاجته ليعود من حيث أتى فزعم المراجع أن له خمسة أبناء شبان أربعة منهم يشجعون الأهلي «ويموتون فيه» إلا أوسطهم فإنه يشجع الاتحاد.. فسر المسؤول الأهلاوي منه ولكنه قال له: هل عجزت عن اقناع ابنك الأوسط بالتحول إلى أهلاوي! فلما جاءت المواقع والهواتف الذكية وبقية وسائل التواصل وأصبحت في متناول أيدي المراهقين والشبان، تسنى لكل متعصب نفث تعصبه بالطريقة التي تحلو له واصفاً لاعبي الفريق الخصم بأوصاف عنصرية مع استخدام حشد من الكلمات البذيئة التي يعاقب عليها الشرع والنظام.. لقد قرأت عشرات المقالات واستمعت لأحاديث العديد من الغيورين على اللحمة الوطنية وكانت تحمل تحذيراً من تغذية التعصب والمنافسة غير الشريفة، وكان المخلصون يدعون الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى لجم تلك المشاعر المتطرفة المتجاوزة لحدود اللياقة والأدب والخلق، ولكن التحرك كان بطيئاً وضعيفاً جداً الأمر الذي ساهم في استمرار نمو وانتشار التعصب الرياضي حتى بلغ السيل الزبى كما هو حاصل في الآونة الأخيرة، لا سيما في ظل تراخي الإجراءات المتخذة ضد المتعصبين الذين باتوا يستخدمون كل عبارات التعصب والبذاءة من أجل الانتصار لفريقهم ورأيهم، ولذلك ينبغي دراسة الآثار السلبية للتعصب الرياضي المقيت على سمعة الوطن وعلى لحمته الوطنية من التباعد والتفكك، أو ما ينتج عن التعصب والجدل غير المنضبط حول أوضاع الأندية بما ينذر بتولد مصادمات عنيفة بين هذا الفريق أو ذاك قد تودي بأرواح بعض أولئك المتعصبين لا قدر الله، كما حصل في بريطانيا قبل عقدين من الزمان.