تطالعنا الأخبار أو وسائل الإعلام (التَّقْليدية أو الحديثة) بين الحين والآخر عن وقائع مختلفة تمثِّل التطرف في شتَّى الميادين (دينيًا، طائفيًا، عرقيًا، جنسيًا.... وغيره الكثير)، ولكون الإِنسان العربي ابن للصحراء (في مجمل الوصف الأعمّ) نجده أكثر حدّية وتقبلاً لأخذ الموقف المتطرِّف في كلِّ شيء، فمن كل ذاك الطيف الواسع من الألوان نجده لا ينتقي منه إلا الأبيض أو الأسود، مع أو ضد، حبيب أو عدو. لا مجال للتدرج أو لتصنيفات أقل حدّة. وفي الرياضة (كما في غيرها) من اختيَّارات المرء أو تصنيفاته، نجد التحزُّب أو الميول أو الانتماء (سمّها ما شئت)، ولكنَّها في حقيقة الأمر انضمام لفرقة من البشر اجتمعوا على معتقد واحد إلا وهو (الأفضلية المطلقة للفريق الذين ينتمون إليه). ولكن المتمعن في وضعنا الحالي يجد أن الأمور قد وصلت إلى مراحل تشرف على الانفجار، فحب الفريق أصبح أمرًا ملزمًا لكراهية المنافس وكل محبيه، وأصبح من يمتدح منافسه ولو في لقاء ما مثار شك وريبة من زملائه الذين تناسوأ أن من أهم مبادئ الرياضة هي تقبل الخصم وتقبل الخسارة والاعتراف بأن (من حصّل شي يستاهله) بدلاً من (من حصّل شي.. سارقه). لا أتحدَّث هنا عن مدينة فاضلة، أو أخلاق مدينة أوليمبيا اليونانية مهد الأولمبياد، بل أتحدَّث عن شحنٍ وتعصبٍ رياضي لم نشهد له مثيلاً. فقد أصبح المهتمون أو حتَّى المتابعون للرياضة لدينا (وهم أغلبية ساحقة) يبادرون بالسُّؤال عن ناديك المفضل عند لقائهم بك لأوَّل مرَّة ليصنفوك إما عدوًا أو حبيبًا، وتصطبغ بعد ذلك نتيجة إجابتك على بقية الحوارات المطروحة طوال فترة اللِّقاء وعلى مدى تقبلهم لآرائك وإن لم يتم التطرَّق للرياضة من قريب أو بعيد. والنهج الذي تنتهجه القنوات الإعلاميَّة بشتَّى أنواعها (وأخصّ بالذكر المرئي منها) هو تجييش خطير لعواطف الشباب بِشَكلٍّ مباشر لا يمكن تقديم حسن النيّة فيه على الإطلاق، فالتعذر بأن القنوات تبحث عن نسب مشاهدة أعلى عن طريق اصطناع الإثارة عذر لا يقرُّه عقلٌ أو منطق، وشتان ما بين (السبب والعذر). فعندما يتناوب على كراسي الاستضافة من عرف عنهم التعصب والتقليل من المنافس واستحضار فكر المؤامرة في كلِّ شاردة وواردة، يجب علينا التوَّقف طويلاً لإعادة التفكير إلى أين يأخذنا هذا النهج الإعلامي اللا مسؤول. فهل ننتظر أن نسمع عن قتل مشجَّع لمشجَّع آخر بعد مشادة كروية لنتحرك؟ هل ننتظر تكسيرًا أو إحراقًا لنادٍ أو متجر خاص بنادٍ ما من قِبَل منافسيه لنرتدع؟ بل السُّؤال الأهمّ الذي يجب أن نعيد النَّظر فيه مرارًا وتكرارًا: هل الدور الحقيقي للإعلام أن يكون منارةً للتثقيف والسمو بذائقة المُتلقِّي في شتَّى المجالات؟ أم يكون مُجرَّد مرآة تنقل كل جميل وقبيح بلا إشادة للجمال أو استنكارٍ للقبح؟ ملّلنا تغْذية العقول بِكلِّ هذا السواد ملّلنا مجالس تحوي متعصبين بأقنعة محلّلين ملّلنا تعاطيًا إعلاميًّا يزرع في نفوسنا كل هذا الكره للآخر. من يَرَى بعين فاحصة، وبقلب غيور يجد أن التعصب والتطرف في رياضتنا ما هو إلا سلمٌ أصبحنا نرتقي درجاته قفزًا ولكن للأسفل، (و الله يستر من آخر درجة). بقايا.. - حدثني أحد الزُّملاء عن طفله الذي يتصنَّع المرض تهربًا من المدرسة بِشَكلٍّ غير اعتيادي، فبعد أن استشار مدرسه أخبره أن ابنه يشجَّع فريقًا لا يشجعه بقية التلاميذ في فصله، فإما أنْ يٌغيِّرَ فريقه أو يغير مدرسته!! رحماك يا ربي. - كل ما سقطت عيناي على إحدى برامج الإسفاف والتخلف الرياضي في إحدى القنوات أتذكر مصطلح الأستاذ الكبير تركي الناصر السديري (دكاكين الإعلام الأمية). أجدت الوصف يا أستاذنا. - لا تستغربوا إن سمعتم قريبًا أن شابًا تقدم لخطبة إحدى الفتيات ورفض بسبب تشجيعه للفريق المنافس لوالد العروس. سنصلها قريبًا جدًا. - هناك تعصب كروي مقيت في بعض الدول المتقدِّمة كرويًا، فهل نجعل نقائصهم الرياضيَّة مثالاً يحتذى به؟ - صيف (المتمصدرون) أهدأ مما اعتدنا عليه، فهل الحياء منعهم أم أن إدارات الأندية أقفلت الأبواب في أوجههم؟ خاتمة.. رُبّ دهر بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه. Twitter: @guss911