أسوأ خصلة في البشر هي (العقوق)، وتصل إلى أرذل مستوياتها في عقوق الشخص لوالديه، فالإنسان العاق لوالديه -أي منهما-، لا يمكن أن يؤتمن مهما كان. وليس هناك أكثر حزنا وألما على الوالد عندما يصدم بعقوق ولده. وسمعت عن أب ميسور الحال، وعندما شب أبناؤه وأنهوا تعليمهم، ولكي يفرحهم ويعطيهم الفرصة ليثبتوا وجودهم في حياته، ما كان منه إلا أن يوزع ثروته بالتساوي على أبنائه الثلاثة، ولم يترك لنفسه إلا النزر القليل. الكارثة أن هؤلاء الأبناء أعمتهم الدنيا (فقلبوا ظهر المجن) لوالدهم وتنكروا له وقاطعوه تقريبا، وأصبح يستجديهم المحبة والمال كأي شحاذ ولا يجدها منهم، وداهمه القهر والمرض والعوز حتى فارق الحياة. وأترك المجال للشعر لكي يعبر عن مثل هذه المأساة، وهذا (أمية بن أبي الصلت) يقول مخاطبا ابنه: غذوتك مولودا وعلتك يافع تعل بما أدني إليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكوِ لم أبت لشَكواك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني وعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت حتم مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاوِر يفعل وها هو أيضا الشاعر الشعبي القديم (راشد الهربيد) في قصيده أقتطع لكم بعض أبياتها: يا جريس خليتن وأنا ما أقوى أخليك أنكس كما تنكس على الولد ناقه يا جريس أخذت أمك علشان تاليك ما شاقني زينة ولا هي عشاقة يا ما على متني تعاقبن أياديك بالكتف أشيلك مثل شيل العلاقة ويا ما بعدلات الشبايا نعشيك وأعطيك مع زود الخزيرة لحاقه لياما الذي يكسي العوارض نبت فيك لا شك جابين اللحي افتراقه واليوم أشوفك كابرات علا بيك جمعت مع خبث الطبايع نزاقه لا صار بالدينا قريبك معاديك ما من ورا عوج النصايب صداقه وأختم بما فعله أحدهم في اليمن الشقيق، عندما حاول أن يضع حدا لعقوق ولديه، فما كان منه إلا أن قذف عليهما قنبلتين يدويتين، مما تسبب بإصابتهما بالشظايا، والمفارقة أنه هو الذي نقلهما للمستشفى لعلاجهما. طبعا هذه الطريقة المبتكرة وغير المسبوقة، هي من وجهة نظري مرفوضة مرفوضة. ورسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام قال لأحدهم: (أنت ومالك لأبيك)، غير أن بعض القلة من الآباء أخذوا هذا الحديث الشريف مأخذا معوجا فنجدهم قد افتروا وظلموا أبناءهم من هذه الناحية، مثل الأب الذي يتسلط على راتب ابنته الموظفة، ولا يكتفي بأخذ ثلاثة أرباعه، بل إنه قد يقف في وجه زواجها خوفا من أن يفقد هذا المصدر، وتظل هي عنده كالدجاجة التي تبيض له في كل شهر بيضة ذهبية.