في عام 1986 شعرت جوديت تشيرناك بحاجة فن الشعر إلى انتشال كامل من الجمهور الخاص الذي يضيق باستمرار، وتحبيبه إلى الناس الذين طغت عليهم مادية الحياة فلم تترك لهم واحة روحية يلجأون إليها؛ فأسست مشروعا اسمه شعر قطارات الأنفاق، تاركة 4000 مساحة إعلانية في قطاراتها مجانا لتعليق القصائد المرشحة من جمعية الشعر في لندن، ومتمنية أن ينتشر ويصبح فنا شعبيا مثلما بدأ. أمام هذا الهدف النبيل الذي يصفه الدكتور علي شلش حينما عقد معها حوارا طويلا، ظهرت بوادر النجاح، وتكاثر عدد المشتركين فيه، أي الذين يساهمون بشراء نسخ من الملصقات، ومن هؤلاء مدارس ومكتبات عامة ومستشفيات وسجون! كما تلقى المشروع إعانات مالية من جهات كثيرة مثل مجلس الفنون والمجلس البريطاني، ويتولى المجلس الأخير توزيع الملصقات في أكثر من 50 دولة له نشاط بها. من جانب آخر وقبل عام ونصف العام تقريبا حادثني أحد الأصدقاء عن فكرة قرائية رائدة اسمها: الكتاب الطائر. يمكن اختصار مضمونها وآليتها، كالتالي: يوضع أمام بوابات المغادرة في صالات المطار استاند كبير يحمل كتبا منوعة يستطيع المسافر حمل أي عنوان منها مجانا قبل صعود الطائرة؛ وذلك للاستفادة من وقت الرحلة واستثمار ساعات السفر في القراءة، وحينما يصل صالة القدوم يجد عند البوابة صندوقا خاصا بهذه الكتب الطائرة، موكل لها عامل يحملها من هذا الصندوق إلى الاستاند الثابت في صالة المغادرة.. وهكذا تدور العناوين التي تنظر كل فترة وتتغير بالجديد في المشهد الإبداعي. طبعا وأنا أحاول اختصار هذه الفكرة شعرت بحيرة الإيجاز بعد أن أعلن صديقي أمرها وذهب بها إلى بعض المسؤولين آنذاك، وكيف امتلأت بلمحة عين أضابير الدراسة وطلبات معاودة العرض وتداخل الجهات المنفذة وأهمية مخاطبتها (طيران مدني وخطوط سعودية ووزارة ثقافة وإعلام) الأمر الذي أفضى إلى انشغال صديقي بلوازم أهم تضمن له استقرار عيشه، وبالتالي التوقف عن المحاولة حتى يقيض الله لها زمنا سريعا لا علاقة له بالمدعو عصر السرعة الذي يقال إنه يعيش بين ظهرانينا الآن.