قادت مجموعة من الفنانين والمثقفين السوريين سلسلة بشرية عبرت شوارع بروكسل، وانضم إليها مئات المواطنين والنشطاء رافعين شعار “سوريا: الصمت يقتلنا”، احتجاجاً منهم على “الصمت الدولي والتضامن الخجول” مع الشعب السوري كما قال منظمو الحدث. وتجمع المشاركون الأحد أمام قصر الفنون الجميلة (بوزار) في بروكسل، حيث تقام تظاهرة للسينما السورية ونقاشات حول دور الفن في الاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد النظام السوري منذ مارس 2011. وتقدم تلك السلسلة مجموعة من الفنانين السوريين الذين كانوا إلى جانب الكاهن باولو دالوليو يقيمون ندوة حوارية، وبعضهم مقيم في أوروبا وآخرون خرجوا أخيراً، ويشاركون في التظاهرة الثقافية. وقالت سيمون سوسسكند، إن ما دفعها للمشاركة في تبني وتنظيم هذه السلسلة هو السؤال المستنكر الذي سمعته من الكاتب والمخرج السوري محمد الأتاسي عندما قال “أين المظاهرات في أوروبا، وأين الاحتجاج على ما يحدث عندنا”. وأضافت أنها قررت التحرك: خصوصاً بعدما رأيت مقابلة مع سوري يقول “سوف نتذكر في المستقبل أن أوروبا لم تكن موجودة”. وممن تقدموا صف السلسلة البشرية المخرجة السورية هالة العبدالله، ومواطنها محمد الأتاسي، والكاتب اللبناني زياد ماجد، والمخرج الشاب محمد عمران، مع فنانين شباب آخرين. وكان الفنانون والمثقفون السوريون في طليعة الداعمين للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في بلادهم ربيع 2011، وقادوا في أوائلها تظاهرة بدمشق معروفة ب”تظاهرة المثقفين”، لتتعرض بعدها مجموعة منهم للاعتقال بينهم الممثلة مي سكاف، التي اتهمتها السلطات السورية أخيراً ب”التحريض على القتل والإرهاب”. وفي طليعة المتضامنين كان الكاهن الإيطالي باولو دالوليو، الذي صار شهيراً بين السوريين بلقب “الأب باولو، خصوصاً بعدما أعلن مواقف واضحة في مساندة مطالب الحراك الشعبي السوري، لتقرر السلطات السورية إبعاده قبل أشهر قليلة بذريعة “خروجه عن نطاق مهماته الكنسية”. وقال دالوليو لفرانس برس “كنا سنتحول إلى سلسلة من المحبوسين والمشنوقين والمقطعين، لو سرنا هكذا في وسط مدينة سورية وفي ساحاتها”. وواصل استخدام ضمير الجماعة (نحن) وهو يتحدث عن سوريا، مضيفاً “مع الأسف نحن نعرف هذا منذ أربعين سنة، فتحطيم الحريات المدنية في سوريا هو الشيء العادي والعقيدة التي نشأ عليها النظام الأسدي”، على حد تعبيره. وبعدما ترك عدد من الكتاب والفنانين المؤيدين للاحتجاجات بلادهم بسبب تضييق السلطات، قاموا بقيادة حراك واسع حول أوروبا دعماً لمطالب مواطنيهم، وقدموا شهادات كثيرة، وأعمالاً تشرح مطالبهم، وما يتعرضون له. وعلق المشاركون في السلسلة على صدورهم لوحة تقول بالخط العريض “سوريا: الصمت يقتل”، بعدة لغات، وهم يمشون ممسكين أيدي بعضهم بعد ظهر مشمس في شوارع العاصمة البلجيكية، وذلك أمام حركة غير عادية فيها لكون آلاف المواطنين كانوا يحتلون ساحاتها وشوارعها في المناسبة السنوية “يوم بدون سيارات”. وبين مكوني السلسلة البشرية من دفعهم لذلك ما سمعوه وشاهدوه خلال حضوره الفعاليات الثقافية. وتقول جوديت فان بارس، وهي بلجيكية طالبة علوم سياسية، إن هذه الحركة الاحتجاجية “مهمة جدا لأنها تعرف المجتمع البلجيكي بحقيقة ما يحدث وتحشد تضامناً يحتاجه السوريون”. الفنانون المشاركون كانوا حريصين جدا في اطلاق الشعارات التي تؤكد على “وحدة الشعب السوري” ومطالبه الديموقراطية. وبعدما كان أحد الشبان يصرخ بشعار “الجيش الحر للأبد، داعس على رأس الأسد”، امتثل لاعتراض المخرجة هالة العبدالله التي قالت “قصة الأبد انتهت، لا نريد شيئا للأبد”، في إشارة منها للشعار الذي جعله النظام السوري سائداً لعقود ممجداً الأسد الأب، ومن بعده الابن في الحكم “إلى الأبد”. وعبرت السلسلة البشرية عدة كيلومترات قبل أن تجتمع أمام محطة “لوكسمبورغ” للقطارات، وهناك كان الميكروفون يتنقل بين أيد ناشطين خرجوا من سوريا بعد الاعتقال وآخرين قدموا شهادات، إضافة إلى برلمانيين أوروبيين. وكان الأب باولو يشد على كتف شاب سوري يحكي عما تعرض له في المعتقل قبل مغادرته سوريا، قبل أن يترجم شهادته إلى الفرنسية. ويعلق الأب باولو في حديثه مشدداً على أهمية النضال السلمي “نستعمل القوة موقتاً، ونلتزم باللاعنف دائماً”، موضحا بنبرة حاسمة “النضال السلمي ضروري أمس واليوم وغداً، لأن مشاكل سوريا لن تنتهي بسقوط الأسد”. وإلى جانب ذلك، حضر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو إلى قصر الفنون الجميلة لمشاهدة فيلم “إذا تعب قاسيون” للمخرجة السورية هالة محمد، وهو على شكل حوار طويل مع الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط، ويتحدث فيه بسخرية كبيرة عن “الخوف” الذي يعيش معه رغم مرور سنوات طويلة على فترة سجن قصيرة تعرض لها في أواسط القرن الماضي لانتمائه للحزب السوري القومي الاجتماعي. وبعد مرور حوالي النصف الساعة من التأخير في عرض الفيلم، بسبب تأخر بعض الضيوف السوريين عن الحضور، مازح الأب باولو المخرجة التي كانت تحمل ميكروفوناً لتقديم فيلهما في الصالة، وقال “ما الذي تنتظرونه، رئيس أوروبا كلها ينتظر هنا لرؤية الفيلم”. أ ف ب | بروكسل