أصبحت مسرحية سمجة وأسطوانة مشروخة هذه الأعذار والتبريرات التي يقدمها المسؤولون عن تصريف السيول في مدننا وقرانا، مرة يفاجأون بكمية الأمطار وأنها تجاوزت توقعاتهم وتخطيطاتهم، وأخرى يلومون السيل أن غير مجراه، فإن لم يجدوا عذرا وضعوها على رأس المواطن الذي بنى على مجرى سيل، وإن كان لديه تصريح بناء من أمانة مدينته. وحقيقة لا يمكن حصر الأمر في أمانات المدن، بل في كل مسؤول لم يؤد أمانته، وحتى لا يقال إن هذا توزيع لدم الضحية على القبائل، أسارع بتحديدهم في ثلاثة أشخاص، مخطط ومنفذ ومستلم، أحدهم اثنان منهم أو ثلاثتهم أخطأ أو قصر في أمر قد يرقى لمستوى الجريمة إذا تسبب في خسائر بشرية أو مادية. في قضايا البنية التحتية ومشاريع تصريف السيول والصرف الصحي لم نعد بحاجة لنزاهة أو أية جهة رقابية أخرى لكشف المتسبب، المطر هو مفتشنا المفوض وهو المتكفل بهذه المسؤولية كل عام، يكشف المستور ويكشف من تستر عليه، «جنرال مطر» لا يجامل ولا يداهن ولا يسرق، لا يقدم تقارير ورقية تتلعثم مقدماتها بمؤخراتها، إذ لا يتبعها إجراء أو محاسبة، يقولها الجنرال بكل شفافية ووضوح، يقدمها على أرض الواقع كالحقيقة عارية تخجل ناظرها. لو حاسبنا كل مسؤول على تصريحاته الوردية عند استلام تمويل مشاريع التصريف وتبريراته الشوكية عند كل فشل لها، لو سألناه كيف نجح هو وكيف فشل مشروعه، لو راجعنا أرصدته البنكية وتحويلاته الدولية، لو سجلنا حساب ذمته المالية قبل وبعد، لو، وما تنفع لو فهي مفتاح الفاسد الذي ألقاه في البحر لإخفاء جرائمه وأفعاله، ومراقبونا للأسف لا يحسنون الغوص ولا حتى السباحة. وفي كل مرة تجتاحنا سيول الأمطار الجارفة والمغرقة أسأل لم نصرفها للبحر ونحن أحوج الناس لمائها، بلدنا الفقير في مصادر مياهه يرزقنا الله سبحانه موسميا بكميات هائلة منه، ونجتهد نحن في هدرها وتصريفها للبحر. بلايين تصريف السيول لو أنفقت لتحويلها إلى حيث يستفاد منها بتنقيتها بدرجات مختلفة لاستخدامات متنوعة لأغنتنا، وإن قليلا، عن مشاريع التحلية، أو وفرت قليلا من الملايين التي تصرف على التحلية لتمويل مشاريع تخزين السيول، ولوفرت ملايين من براميل النفط لتشغيل محطات التحلية، وهي براميل تخصم من قدرتنا التصديرية للنفط الذي هو مصدر رزقنا وتحد بالتالي من مدخولنا العام.