لا تهمهم المعاناة ومخاطر العبور، المهم أن يصلوا إلى هدفهم، وهدفهم هنا اجتياز الحدود والدخول إلى المملكة مهما كلفهم الأمر. يعرفون أن الموت هو الاحتمال الأقرب عند محاولة تسلل حدود دولتين، ويعلمون أن الطرق وعرة، والجبال قاتلة، والوديان قد تغرقهم، والثعابين قد تقتلهم، ومع ذلك يصرون على الوصول بكافة الطرق، والأغرب أن بينهم نساء ورضعا وأطفالا وشيبة لا يقوون على الصمود والترحال، ولا يملكون قيمة قوت السفر. صادفت متسللا سبق أن وصل إلى مملكتنا لأكثر من 36 مرة، وفي كل مرة يقبض عليه يعاد ويرحل، سألته عن السبب في تكرار الوصول رغم علمه بأن النهاية ترحيل، أجاب ساستمر في الدخول، لا أمان ولا استقرار في بلادنا ونحن نفر من اجل الحياة. أما ابراهيم محمد، فقد كان صريحا معنا، عندما طالبنا بالتوسط لإطلاق سراحه من أيدي رجال حرس الحدود، معترفا أن تسلله من اجل البحث عن العمل، وعلى الرغم من تكرار القبض عليه لكنه مصر على مواصلة مشواره في اجتياز الحدود صباحا ومساء، لم يعد يهتم لعواقب تسلله المهم أن يحقق هدفه. وثالث تجاوز الستين من عمره وضعف بصره ويتوكأ في مشيته على عصا، ومع ذلك حاول تجاوز الحدود إلا انه تم القبض عليه، وقال: لست بسارق وهدفي الدخول إلى المملكة بحثا عن عمل، امنحوني فقط عدة أشهر بعدها سأعود من حيث أتيت، فانا اعرف مكةالمكرمةوجدة، عشت فيها زمنا وتعرفت على بعض الأسر، وعملت لديهم، وكلما سنحت لي الفرصة سواء متسللا أو معتمرا توجهت الى تلك الاسر، عشت بينهم فترة من الزمن كحارس عمارة أو مزارع، وكل قرش اجمعه أرسله إلى أبنائي في اليمن والذي لا يطول بعدي عنهم اكثر من عام واحد. حتى الأطفال لم يسلموا من التسلل، حيث كان الطفل حسن احمد 7 سنوات بصماته، بعد القاء القبض عليه برفقة جدته لامه 58 عاما أثناء محاولتهما اجتياز الحدود معرضين أنفسهما للخطر، قال الطفل «طلبت مني جدتي أن أرافقها إلى السعودية ولكن العسكر مسكوني أنا وجدتي، لا اعرف معنى التسلل أو الذي تقولون عليه الدخول إلى الحدود بطرق غير نظامية أنا جئت إلى هنا مع جدتي». ولادة في الصحراء بعد رصد العديد من حالات التسلل، واجهنا العميد عبدالله بن محفوظ الناطق الإعلامي بحرس الحدود في منطقة جازان، فأكد أن جميع قطاعات حرس الحدود بالمنطقة تتصدى لظاهرة التسلل الذي ليس له وقت أو مكان، وجميع منسوبي حرس الحدود صامدون امام هذه الظاهرة التي تتنوع فيها أساليب التسلل، بعضهم يحفر الرمل من تحت أسوار السور الشائك، وبعضهم يلجأ إلى قص السور الشائك وآخرون يتسلقون الجبال، وبعضهم يسلك الأودية حتى وهي مغمورة بالمياه، معرضين أنفسهم للخطر، ولكن رجال حرس الحدود دائما وفي كل الأوقات بالمرصاد للمتسلل والمهرب والخارج عن القانون، وساهم في ذلك ما وفرته الدولة الرشيدة، فسمو وزير الداخلية يسعى دائما إلى جلب مختلف الأجهزة الحديثة لقطاع حرس الحدود من اجل تامين الشريط الحدودي، ليس فقط في المنطقة الجنوبية بل في كافة مناطق المملكة الحدودية. خبرة في التعامل فيما يقول العقيد صالح البشري قائد قطاع العارضة في حرس حدود منطقة جازان: رجال حرس الحدود مدربون على التعامل مع مختلف الظروف والأجناس وأصبحت لديهم الفطنة ويعرفون مسالك المهربين والمتسللين، ولديهم خبرة في التعامل مع كل واقعة، ومعظم المقبوض عليهم يأتي طلبا للرزق ولكنه يجتاز الحدود بطرق غير مشروعة وأكثر ما يحزننا هو القبض على كبار السن من الرجال والنساء والأطفال الرضع، وأحيانا نواجه مواقف نحزن فيها وبالذات عندما يقبض على امرأة توشك على الولادة، ولأننا في منطقة خلوية اضطر بعض من رجالنا للتدخل لمثل هذه المواقف وتوليد أكثر من حالة، فيما نسعى جاهدين لتأمين الحليب وحفائظ الأطفال، مبينا أن البصمة كشفت الكثير من الجرائم. مشروع ضخم النقيب أحمد الكناني قائد مركز جلاح، أشار إلى تضاؤل أعداد المتسللين وأعاد السبب إلى السلك الشائك وشق الجبال والاجهزة الحديثة ويقظة الرجال البواسل وقبل ذلك توفيق الله، جميعها أسهمت في معالجة التسلل والتهريب، وقال: مشروع السياج الأمني الحدودي مشروع ضخم وله ايجابيات، وكل من يضبط يخضع لتطبيق نظام البصمة بعدها تتم إعادته من حيث أتى، ومشكلة التسلل تعتبر من اكبر المشكلات التي يواجهها رجال حرس الحدود البواسل، ومع ذلك إحصائيتنا تؤكد أننا عازمون على التقليل من هذه المشكلة. نهاية رحلة «العسل» ولا يتوقف القبض على المتسللين فقط في قطاع الطوال فجميع قطاعات حرس الحدود تشكل مجموعة واحدة في التصدي لكل عابث بامن بلادنا وحدودها، ففي قطاع العارضة كانت مجموعة كبيرة من اليمنيين وجنسيات مختلفة من القرن الأفريقي بعضها يستعد لترحيله، والآخر ينتظر دوره في تسجيل بصمته، فيما تعالت أصوات الأطفال الرضع يشتكون الجوع وحرارة الطقس التي لازمتهم على طول المسافة. أم علي حليمة، من الجنسية الصومالية كانت تحتضن رضيعها الذي لم يتجاوز العام، وصفت رحلة قدومها إلى المملكة برحلة الموت، قالت فقدت ابن اختي في البحر بعد أن غرقت بنا المركبة وحملتنا قدرة الله إلى النجاة وبواسطة احد القوارب وصلنا إلى عدن، حاولنا الحصول على قوت يومنا لكن البعض قال ليس أمامكم سوى عبور الحدود إلى السعودية هناك العيش أفضل، وبدأت المشوار بتنقلنا بين محافظات وقرى اليمن حتى وصلنا إلى الحدود السعودية من جهة الجبال، تخفينا عن اعين رجال حرس الحدود وعندما غابت الشمس وحل سواد الليل وانتصف الظلام اجتزنا الجبال إلا أن رجال حرس الحدود السعودي اكتشفوا امرنا واقتادونا إلى هنا، لم يصرخوا في وجوهنا ولم يلطموا خدودنا بل أطعمونا وسقونا الماء ووفروا لأطفالنا الحليب والحفائظ وقالوا لنا فقط ستبصمون وستعودون إلى دياركم دون أي خوف. وتضيف حسنا، وهي ام لرضيعة قائلة: جئت إلى هنا برفقة زوجي وطفلتي وبنت خالتي حليمة، فررنا من ضيق العيش والمصاعب والتعب ورأينا مع اطفالنا الموت من اجل الوصول إلى هنا والآن سنعود إلى ديارنا دون أن نحقق هدفنا الذي تحملنا من اجله الكثير. سيد شيخ فارع، وصف محاولة اجتيازه للحدود السعودية بالمغامرة خاصة وان احدهم قد حذره بأنه ربما يلقى حتفه إذا اكتشف أمره ولم يتوقف لرجال حرس الحدود، يقول: في عدن التقيت مع بعض معارفي وفيها سمعنا عن امكانية اجتياز الحدود السعودية، وأمام ضيق العيش في اليمن اتفقنا وقررنا تجاوز حدود السعودية ليلا، مررنا بالعديد من الصعاب وواجهنا الموت خاصة مع أصوات الرضع التي كنا نكتمها حتى لا يفتضح امرنا، ولم ننجح، لكن أكثر ما أراحنا أن السلطات السعودية لم تؤذنا، بل وفرت لنا المأكل والمشرب وحاليا نستعد لركوب الحافلات من اجل العودة إلى وطننا. عبدالجبار احمد، قبض عليه أثناء عبوره الحدود برفقة قريبه منصور ابراهيم ومعهما كمية من العسل قال عنها عبدالجبار بأنه جلبها لبيعها على السعوديين المعروف عنهم حبهم للعسل وبالذات هذا النوع من العسل الذي يجلبه معه بين الحين والآخر عبر الحدود، ولكن هذه المرة وكما يقولون انكسرت الجرة وقبض عليه رجال حرس الحدود.