كل ما قرأته من دفاع مستميت لاستمرار زراعة القمح في بلادنا القاحلة، لم أجد فيه ما يقنع بأن ذلك المشروع الزراعي سليم ومفيد، ولذلك فقد سرني ما قرأته قبل أيام حول إعلان معالي وزير المياه والكهرباء الأستاذ عبد الله الحصين من أن هذا العام هو الأخير لزراعة القمح في المملكة حيث أكد معاليه أن الزراعة تستهلك ستة عشر مليار متر مكعب من المياه من أصل عشرين مليار متر مكعب هو إجمالي استهلاك المملكة من المياه أي أن الزراعة تستهلك أربعة أخماس الكمية الموفرة من مياه الشرب في بلد يحتاج فيه الإنسان لكل قطرة ماء عذب حتى أصبح معتمدا في سقياه على تحلية مياه البحر!. لقد مر مشروع زراعة القمح بعدة مراحل لم تكن في معظمها موفقة أو تخدم مصلحة عامة ولكن تم وصف ما حصل بأنه سعي نحو الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي فبنى على ذلك خطوة تقديم إعانات سخية لمزارعي القمح الذين يعتبر العديد منهم من «الحجم العائلي» فكان يعطي لكل كيلو غرام من القمح المنتج محليا ثلاثة ريالات حتى صرفت للمزارعين معونات سنوية تبلغ عشرات المليارات وقد قرأت ذات عام أن مجموع المبالغ التي تم صرفها لمزارعي القمح في أحد الأعوام خمسة وأربعون مليار ريال مقابل إنتاج قمح يمكن استيراده بعشر هذا المبلغ ولكن لا بأس من أجل عيون الأمن الغذائي!. وقد أدت تلك الإعانات السخية إلى تكالب مزارعي القمح على زيادة المساحات المزروعة حتى فاض القمح المنتج عن الحاجة المحلية وأصبح يخزن في صوامع ضخمة ضاقت به فأهديت أطنان منه لدول عربية وأجنبية، في الوقت الذي بدأ فيه مخزون المياه ينضب نتيجة الاستهلاك الجائر للماء في زراعة القمح والأعلاف أيضا وكان الماء الناضب ثروة غير متجددة تكونت عبر آلاف السنين من الغيوث الشحيحة الهاطلة على الصحراء، فتم اللجوء إلى مياه التحلية التي تكلف أموالا طائلة حتى غدت زراعة القمح والأعلاف عبئا اقتصاديا على الميزانية العامة مع توفر هذه المادة الغذائية والحيوانية في الأسواق العالمية بخمس تكلفتها المحلية، ولم يستفد من المشروع «الفائدة الكبرى» سوى كبار مزارعي القمح، وكان مجرد الحديث عن وقف زراعته غير مقبول ولكن في نهاية الأمر لا يصح إلا الصحيح حيث صدرت الموافقة على وضع حد للإهدار الحاصل في المياه والأموال فجاء تصريح معالي الوزير مبشرا بنهاية مشروع زراعة القمح وهو ما نرجو أن يتم لما ذكر من حيثيات موضوعية بغض النظر عن عدم قبول عملية التوقيف أو أي دفاع متهافت عن استمرار الزراعة والإهدار المائي والمالي؟ لأنه لا يمدح السوق إلا من ربح فيها.. وبالله التوفيق.