هناك فرق بين المزارع الحقيقي الذي يزرع أراضيه الزراعية منذ آلاف السنين معتمداً على المصادر الطبيعية من أمطار ومياه جوفية سطحية، يزرع بقدر ما تجود به السماء وبحسب إمكاناته وإمكانات الأرض، ويحتاج إلى إعانات حكومية في الري والمعدات ومكافحة الآفات الزراعية، ويهتم بزراعة الخضراوات والفواكه والحبوب والأعلاف بحسب هذه الإمكانات، وبين هوامير الزراعة الذين يتطلعون إلى الكسب السريع والكبير دون أن يكون الأمن المائي والغذائي همهم، وعندما أحس هؤلاء الهوامير بالارتفاع المطرد في تكلفة إنتاج القمح، اتجهوا إلى زيادة المساحات المزروعة بأنواع الأعلاف المختلفة وخاصة البرسيم، مما زاد في مشكلة نضوب المياه الجوفية غير المتجددة وسرَّع في خطر الأزمة المالية لأن معدل استهلاك زراعة الأعلاف من المياه يبلغ أضعاف استهلاك القمح للمياه بنسبة مقدارها ثلاثة إلى 11 وتقدر المياه المستخرجة لري الأعلاف بحسب الاقتصادية عام 2007 بسبعة مليارات متر مكعب من المياه يتوقع أن تصل إلى أعلى من ذلك هذا العام. هذه الأيام تقوم وزارة المياه بحملة لترشيد مياه زراعة الأعلاف بعد أن أحست بخطورتها على أمننا المائي الوطني، وذكرت أن استهلاك الخروف الواحد للماء خلال ستة أشهر يقارب 25 صهريج ماء على شكل أعلاف، بحيث يصبح الخروف بالوناً مائياً، وأن زراعة الأعلاف محلياً تستهلك أربعة مليارات متر مكعب سنوياً ضعف الاستهلاك السكاني، وأن استيرادها من الخارج توفير للماء والمال، وكل هذه المياه المستهلكة للأعلاف من مصادر محلية غير متجددة، وهذه المبادرة من الوزارة مهمة وطنية لأمننا المائي وخطوة تحسب في ظل غفلة الوزارات الأخرى المعنية، لكن المشكلة أن وزارة المياه جعلت مبادرتها في إعلانات مدفوعة القيمة موجهة للمزارعين وفي صيغة مناشدة واستعطاف لهوامير الزراعة، وهذا ضياع للوقت والمال لأن المنتظر هو قرار يمنع الهوامير من الزراعة الشاسعة غير المسؤولة المهدرة لمخزوننا المائي، ويسمح بها فقط للمزارعين الحقيقيين الذين يزرعون وفق الإمكانات الواقعية للأرض والمياه.