بعض الناس يغيب عن بصرك وسمعك أسابيع أو شهورا وربما أعواما، ثم تفاجأ به وهو يتصل بك بادئا اتصاله بعتاب مر، بل شديد المرارة من عينة: فينك من زمان لا حس ولا خبر لماذا لا تتصل بي .. هل شغلتك الدنيا أم أنك نسيت أحبابك وأصحابك إلى آخره، وقد يقرن العتاب بالتقريع حتى يجعلك تشعر بالذنب، مع أن التقصير إن حصل يكون من الطرفين، فلا هو زار أو اتصل ولا أنت، ولكنه يحاول أن يحملك المسؤولية كاملة ويستمر هكذا حتى يضيق صدرك، خصوصا إذا كان وقت اتصاله غير مناسب، فإذا انتهى صاحبك من معزوفة اللوم والتقريع، فقد تفاجأ بعد ذلك بأن الموشح الذي سمعته ما هو إلا مقدمة لطلب أو حاجة يريد منك قضاءها له، ولذلك فإنه رأى أن يقدم طلبه وحاجته بتلك المقدمة المؤلمة حتى يشعرك بالذنب نحوه، فإن تحقق له ذلك سهل عليه الضغط عليك من أجل الاستجابة لطلبه والتحرك لقضاء حاجته تحت وطأة إحساسك بالتقصير، وأنه لا بد من معالجة ما صدر منك حسب زعمه ببذل الجهد وإرهاق النفس حتى تلبي الطلب وتقضي الحاجة، فإذا حصل ذلك، فإن اتصالات صاحبك تنقطع فترة من الزمن تطول أو تقصر فلا سلام وكلام، حتى تبدو له حاجة جديدة لا بد من الاستعانة بك لقضائها، وهنا تكرر اسطوانة فينك ما تسأل فتجاريه قائلا: «لك حق تزعل.. ولك حق نرضيك» ولعله مر عليكم مثل هذه العينة من الأصدقاء الذين قل أن يكون سلامهم واتصالهم بلا عتاب مر وإشعار للطرف المتصل به بأنه مقصر وغير وفي، وقلما أن يكون اتصالهم نقيا غير مصحوب في نهايته بطلب أو قضاء حاجة، ومعظم الناس يجامل هذه العينة من المتصلين المعاتبين ويحتمل «غثاهم» تطييبا لخواطرهم وحرصا منه على استمرار علاقته بهم وفاء منه لهم، وإلا فإنه غير مكلف بسماع معزوفات العتاب مع كل اتصال يعقبه طلب أو حاجة، ولعل من الحصافة واللياقة أن يتصرف المتصل بطريقة جيدة؛ كأن يبدأ اتصاله بالسلام والسؤال عن صحة ثم بالاعتذار عن الانقطاع عن التواصل، وبعد ذلك يشرح طلبه ويقدم حاجته، أما هذا الأسلوب الممجوج من أساليب العتاب المر الذي تقدم به الطلبات والحاجات، فإنه أسلوب غير لائق، وإن ظن أصحابه أنه كذلك؟!