تهتز مشاعري عندما أقرأ في الصحف أو يبلغني عن طريق معارفي أن أحد الشبان تبرع بكليته لوالده أو لوالدته، ويزداد يقيني في أن ذلك الشاب قد وصل بعمله ذاك درجة عظمى من البر لأحد والديه، وأتوقع أن يكون ثوابه في الدنيا بأن يبارك الله له في صحته وفي رزقه وفي أبنائه وزوجه، أما ثواب الآخرة فإن الله جواد كريم وآخر ما قرأته من أخبار في مجال التبرع كان عن تبرع طالب في المرحلة الثانوية في مدينة القويعية بكليته لوالده الذي يعاني من فشل في وظائف الكلى جعله مضطرا للغسيل عدة مرات في الأسبوع، وهذا الطالب وأمثاله يستحقون أن يكرموا على مستوى الوزارة وإمارة المنطقة، وأن تخصص له مكافأة مالية كبرى ليس مقابل ما قام به من بر بوالده لأن ما قام به لا يقدر بثمن، وإنما لإشعاره بعظم الامتنان الشعبي والرسمي لبره العظيم بوالده وأنه أعطاه بسخاء جزءا من جسده حتى يستغني به بحول الله وقوته عن عذابات الغسيل الأسبوعي التي لا يعلم حجمها إلا من كتب الله عليه الحاجة إليه أو شاهد ضحايا الفشل الكلوي وهم يجرون عمليه « الديلزة» في المراكز الصحية المتخصصة في هذه المسألة ومن مزايا تبرع الابن لأبيه بإحدى كليتيه أن نسبة نجاح عملية الزراعة هي نسبة عالية مقارنة بما لو أن الكلية المزروعة من متبرع لا يمت بصلة قرابة قوية لمريض الفشل الكلوي، وأعرف من الأصدقاء حالتين تبرع خلالهما ابنان للصديقين لوالديهما فكتب الله النجاح لعملية الزراعة التي تمت الأولى منها منذ ما يزيد عن عشرين عاما ولا يزال والد الأول بصحة جيدة على الرغم من تقدمه في العمر أسأل الله له المزيد من العمر المديد والصحة والخير، أما ابنه فقد شق طريقه في الحياة وكان التوفيق حليفه في كل خطواته وما عند الله خير وأبقى والحالة الثانية لها عدة سنوات والوالد وابنه بخير وأدعو الله أن يظلا كذلك حتى يأتيهما اليقين بعد عمر طويل وحتى لو تبرع ابن لوالده بكليته ثم حصل عدم نجاح لعملية الزراعة أو نجاحها في بداية الأمر ثم فشلها بعد ذلك، كما حصل لحالة ثالثة أعرف تفاصيلها فإن الله لن يضيع أجر من أحسن عملا وهو الابن المتبرع البار لوالده المضحي بكليته من أجله، بل إن الرعاية الإلهية سوف تشمله في دنياه، ثم يلاقي في آخرته جزاء بره بوالده «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان» وهل يوجد إحسان أعظم من تضحية ابن بجزء من جسده برا بوالده أو والدته، وهل يوجد توفيق أكبر من هذا التوفيق ولعل هذه السطور مناسبة صالحة لدعوة الجميع إلى التبرع بأعضائهم أو ببعضها بعد وفاتهم بدل تركها للدود، فلعل الله يجعله صدقة جارية منهم على أنفسهم، هذا إن لم يكن هناك موانع شرعية تحول دون التبرع بالأعضاء قبل أو بعد الوفاة!