عندما كتبت قبل عدة أسابيع هنا في هذه الزاوية مقالي الموسوم ب «لا لاستنساخ حزب الله في اليمن»، تناقلته عدد من المواقع اليمنية بما فيها مواقع إلكترونية تابعة للحوثيين، وكانت الردود على المقال في تلك المواقع مليئة بكل ما حواه قاموس الشتائم العربي من ألفاظ تخرج في الغالب عن أدبيات الحوار والأخلاق، وهذا ليس بمستغرب على الجماعات الإرهابية والمتطرفة والحزبية وأنصارها في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؛ فضعف حجتهم دائما وانحيازهم الأعمى لأفكارهم لا يترك لديهم أي مساحة للحوار المنطقي والعقلاني للاستماع إلى وجهة النظر الأخرى؛ لذلك هم يمضون في مشاريعهم التخريبية بلا سقف أخلاقي دائما، ويستمرون في تصعيد إرهابهم وتخريبهم إلى الحد الأعلى، كما يفعل الداعشيون في العراق وسوريا والحوثيون في اليمن وأنصار بيت المقدس وبقايا الإخوان المتأسلمين في مصر وخليط هؤلاء في ليبيا وبوكوحرام في نيجيريا والقاعدة في كل مكان. بعض من ردوا على المقال في تلك المواقع اليمنية كانوا يقولون: «لماذا تتحدث عن الحوثيين وكأنهم ليسوا يمنيين وكأنهم من إيران؟!»، وبعضهم وصف ما يحدث في صنعاء بأنه ثورة على طريقة عبدالملك الحوثي!!. فهل ما يفعله الحوثيون في اليمن ثورة، أم انقلاب مسلح على الحكومة وعلى الشعب وعلى الدولة؟!. بالتأكيد أن ما يفعلونه في صنعاء وفي عمران وفي الجوف لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بالثورة؛ لأن قتل اليمنيين المدنيين ليس بثورة، واحتلال مقار الحكومة بقوة السلاح ليس بثورة، ومحاصرة العاصمة ليس بثورة، ونكث العهود والمواثيق في مؤتمر الحوار الوطني وفي اتفاق الشراكة والسلم قبل أن يجف حبره ليس بثورة، والمطالبة بافتتاح فرع لحزب الله في اليمن ليس بثورة، ورفع صور حسن نصرالله وبشار الأسد لا يشبه اليمنيين وبالتأكيد هو ليس بثورة، وسرقة بيوت المسؤولين اليمنيين والناشطين الذي تناقلته شاشات الفضائيات لا يمكن أن يرتكبه اليمنيون الشرفاء أبناء القبائل العربية الأصيلة التي تتجذر فيها الشهامة والشرف والقيم النبيلة وبالتأكيد هو ليس بثورة!!. مماطلة الحوثيين في التوقيع على الملحق الأمني في اتفاق الشراكة والسلم، واستماتتهم في المطالبة بالحصول على منفذ بحري، يكشف بوضوح علاقاتهم بأطراف خارجية، وأنهم يسعون من خلال هذا المطلب الأخير تحديدا لفتح بوابة الجحيم على المنطقة عبر تمرير السلاح الثقيل إلى اليمن؛ ليتحولوا إلى تهديد إقليمي عابر للحدود، والتاريخ شاهد على محاولات السفن الإيرانية تهريب السلاح للحوثيين في الداخل اليمني. ما يحدث في اليمن أشد خطورة مما يحدث في أي من دول المنطقة المتوترة والتي ترزح تحت وطأة الطائفية والإرهاب، ويجب أن لا يترك اليمن وحيدا. اليمن يرزح تحت وطأة مؤامرة خطيرة في سياق الهيمنة الإيرانية على المنطقة وعلى مضيقي هرمز وباب المندب للتحكم في مسار التجارة الدولية. التحرك الخليجي الأخير لإنقاذ اليمن مهم، ولكن لا بد له أن يكون حاسما وسريعا، لم يعد المجال متاحا لتفاوض القيادة اليمنية مع الحوثيين بعد أن اتضح أن لا عهد لهم ولا ذمة، وينكثون مواثيقهم قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به. ومما لا شك فيه أن إيران استمرأت تجاوز كل الحدود بتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولا بد من وضع حد نهائي لما تمارسه في الخفاء والعلن، ولا بد من تدخل أممي عاجل يضاعف العقوبات ضد إيران على هذه التدخلات وليس على الملف النووي فقط، فهو لا يعدو كونه ستارا للتغطية عليها وإشغال المجتمع الدولي عن ممارساتها التي تجاوزت كل الحدود. المد الفارسي يستغل الطائفية كسلاح نافذ وفعال في المنطقة، وهو لا يعبأ بشعوبها سنتهم وشيعتهم، ويسعى لحرق الجميع، وعلى شعوب المنطقة أن تفيق بكل طوائفها ومذاهبها للوقوف في وجه هذا المد الخطير، إذا ما أرادوا العيش بسلام، ولا بد لهم أن يستوعبوا أن إيران لا تقف في صف أي منهم، وعليهم الاتحاد ضدها ونبذ الطائفية ومحاربتها في كل الشارع العربي.