يحسب للملك عبدالله، أنه نقل اليوم الوطني من مناسبة دورية تقليدية، إلى مناسبة وطنية حقيقية، تساهم في زيادة اللحمة الوطنية، وارتفاع مشاعر المواطنة. والمواطنة، ككثير من المشاعر، تزيد وتنقص، تزيد باستحضار أهمية الوطن وقيمته، وما يعنيه للإنسان، باعتباره أرضا شهدت مراتع الصبا، وتاريخ الآباء والأجداد، وتنقص بالتنفير منه، والتقليل من شأنه، والتركيز على معايبه وتغافل حسناته. كنت أتحدث قبل أيام مع الدكتور عيد اليحيى، معد ومقدم برنامج (على خطى العرب)، فجاء الحديث عن شعوب ساهمت على مر الأزمان في صناعة وطنيتها، حتى بات الشحاذ الذي بالكاد يجد قوت يومه، لا يمكن أن يذكر مثلبة في وطنه. كان الهدف هنا، هو عكس ما يروجه البعض، من أن حب الوطن، مرتبط فقط بالوطن الذي يعطي. على أن هذا الوارد لا علاقة له بحال، بأهمية أن يعطي الوطن أبناءه ما دام في ذلك فسحة. على أن هذا العطاء، لا يجب أن يكون عطاء يغذي الاتكالية في المواطن، ويبني الكسل في سلوكه، ويغذي التخاذل في مهاراته، فيبقى وهو كهل كطفل ينتظر الرضاعة، وليصدق تماما قول البوصيري هنا: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم عندما نحرض على حب الوطن، فنحن لا نتحدث عن وطن لا أخطاء فيه، وليس ثمة وطن لا أخطاء فيه، فالأوطان قائمة على الشعوب، والشعوب بشر، والبشر خطاؤون، وخير الخطائين التوابون. الوطن، يا من تحرمون الفرحة به، ليس صنما ولا معبودا من غير الله، الوطن حامل عهود الصبا وشرخ الشباب وموئل الآباء، ومستقبل الأبناء، ولله در ابن الرومي يوم قال: ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا عهدت به شرخ الشباب ونعمة كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا