أعود مرة ثانية لكتاب (بنو عباد في إشبيلية) للدكتور يوسف بن أحمد حوالة، فللكتاب قيمة تاريخية كبرى من حيث إنه خلاصة الأحداث السياسية والتقلبات المكانية والزمانية التي جرت في عهد بني عباد بالأندلس، وكذلك ما جرى فيما بينها وبين الممالك الأخرى من مسلمين وفرنجة. كما أن الكتاب ينير الطريق لأجيالنا كي لا تقع فيما وقع فيه ملوك الطوائف من فتن واشتباكات ومعارك وخصومات ومؤامرات وتحالفات مع الفرنجة ضد ممالك مسلمة أخرى. وكنت وددت لو أن المؤلف جزاه الله خيرا أرفق مع الكتاب خريطة ملونة لإسبانيا ومواقع الممالك الأندلسية فيها. كما وددت لو أنه أيضا زودنا بكشاف يكشف أسماء البلدان والأعلام .. والآيات القرآنية والأحاديث والأشعار. لكن النقص الذي أصاب الكتاب كأي جهد بشري لا يخلو من ثغرات هو أن المؤلف وفقه الله لم يفصل الثراء العظيم الذي قدمه علماء الأندلس للثقافة العربية والإسلامية، ففيهم الفقهاء والأدباء والشعراء والأساتذة في كل فن.. وهؤلاء لم يسلط المؤلف عليهم الضوء؛ لأن الكتاب في معظمه كتاب عن التاريخ السياسي لدولة بني عباد. إنما عنوان الكتاب تضمن أنه دراسة سياسية حضارية.. فتحت عنوان حضارية كان يمكن أن يضيف فصولا عن إسهام العلماء الأندلسيين في مختلف العلوم والفنون، لكن الحلو ما يكملش كما تقول أمثال إخواننا المصريين. وفي ختام الكتاب، يذكر المؤلف السياسات الخاطئة، فيقول: وانتهجت هذه الدويلات سياسات خاطئة وممارسات بعيدة عن مصلحة الدين والوطن والرعية وقضت أوقاتها في حبك المؤامرات ضد بعضها بعضا، حتى لقد كانت سياسة هذه الممالك الإقليمية الضيقة أحد عوامل زوال الوجود الإسلامي في الأندلس. وقد ألحق المؤلف في نهاية كتابه وثائق هامة لا يملك القارئ سوى أن يتمعن فيها، وكأنها فيلم من الأفلام بكل ما في الأفلام من توجس وترقب وتعجب وحسرة وحزن. وما يكاد ينتهي القارئ من الكتاب حتى يشعر أن دموعه على وشك أن تنهمر.. فيذرفها مدرارا بسبب الحسرة التي انتابته على ملك أضعناه وسماه الشيخ محمد أبو زهرة العلامة المصري الكبير (الفردوس المفقود). السطر الأخير: قال الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد