صعق اللبنانيون برحيل العلامة هاني فحص الذي توفي صباح الخميس الماضي. دموع وأحزان، وفقد ومصاب جلل. ذلك أن هذا العالم الجليل لم يكن يستخدم منطق التفريق والفتنة، بل كان ثيمة جامعة للبنانيين على اختلاف طوائفهم، كان طير سلام في لبنان الحزين. ولو تأملنا لقاءاته وحواراته وأدبياته التي يطلقها، لوجدناها تصب في مصلحة الإنسان. لقد انطلق من مقولة الفيلسوف العامري في تاريخ الإسلام الأول: «وجد الدين للإنسان، ولم يوجد الإنسان للدين». القصة في أنسنة الدين والتدين وجعلهما في فك الإنسان وخدمته طيعة لمصالحه، هذا هو مقصد الدين الأول، وأساسه الكبير وجوهره الحقيقي، فالدين للإنسان وليس الإنسان للدين! رحل هاني فحص الذي انفتح للحوار والنقاش والجلوس مع الشيعة والسنة، مع العلمانيين والملاحدة، مع الفنانين والموسيقيين، مع الشعراء والأدباء، لم يكن يستنكف من الجلوس مع أي إنسان كان، فالدين لديه توحد الإنسان بالإنسان وحواره معه ونقاشه الدائم وممارسة إنسانيته المطلقة. كان صديق كمال جنبلاط القديم، ولهذا بادر وليد جنبلاط إلى بيت صديق والده بنفس اليوم الذي توفي فيه، وقدم واجب العزاء الخاص لعائلة الفقيد، ونرى الصداقة العميقة بين الكبيرين ولهذا نقرأ الحزن في نعي وليد جنبلاط الذي قال: «برحيل السيد هاني فحص فقد لبنان وجها بارزا من وجوه الفكر والعلم والثقافة وعلما من أعلام الحوار والاعتدال والانفتاح في زمن يغلب عليه السيف مكان الكلمة التي لطالما كانت موضع اهتمام السيد الراحل»، ولفت الى أنه «كان يطوع الكلمات ليؤكد على الثوابت الوطنية والإسلامية الحقة». رحل رجل الكلمة وأيقونة الحوار، المصلح بين المختلفين، والمحتوي للمسلمين وغير المسلمين، رحل رمز لبنان الوطني الكبير، وخالص العزاء لأبنائه المبدعين السيدين حسن ومصطفى وكل الأسرة المكلومة.