شدد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول على أن استقرار أمن ودول مجلس التعاون الخليجي شرط أساسي لاستقرار أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي. وكشف أمس خلال مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث عن أن اعتماد الولاياتالمتحدة على الواردات من المملكة متواضع منذ عام 1977م، مستعرضا بالأرقام والتفاصيل حجم تراجع الضخ النفطي لدى الكثير من الدول في إطار معلومات دقيقة عرضها عن سوق النفط العالمي. وقال سموه إن سوق البترول يحتاج إلى سعر مرتفع لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، مشيرا إلى أن أساسيات أسواق الطاقة في الأجل الطويل لاتزال قوية. وقال سموه إن العالم يشهد اليوم تحولات أسرع من أي وقت مضى، حيث تواصل مؤثرات عديدة العمل على رسم المشهد المحيط بنا على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والطاقة ولايزال تعافي الاقتصاد العالمي هشا، نتيجة ظهور مصادر جديدة للمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية في أنحاء عدة من العالم، كما لازال المشهد الجيوسياسي والعلاقات الدولية والإقليمية في حراك مستمر، ما أدى إلى ظهور أنماطٍ جديدة من العلاقات الاقتصادية تزامنت مع انتقالِ نمو الثروات إلى الاقتصادات الناشئة، واستمرار تدفق تجارة الطاقة في التكيف مع ظهور أنماط جديدة للعرض والطلب في قطاع الطاقة. وقال سموه في كلمة ألقاها أمس أمام مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث، إنه في ظل التحولات التي تشهدها الساحة العالمية، ثمة تساؤلات عديدة تطرح حول الدور المستقبلي لدول مجلس التعاون الخليجي، وموقعها من النظام العالمي في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة، حيث يتوقع بعض المراقبين مستقبلا بالغ الغموض لهذه المنطقة، ويجادل هؤلاء المراقبون بأن التأثير الناشئ عن التطورات الحالية لقطاع الطاقة بالولاياتالمتحدة، سيكون له أثر واضح يؤدي إلى تحولات مهمة ليس في الولاياتالمتحدة فحسب، بل تمتد آثارها إلى بقية أنحاء العالم. يترتب عليها تراجع الدور المهيمن الذي مارسته المملكة وغيرها من منتجي الطاقة بالخليج في أسواق الطاقة العالمية. ويحذر هؤلاء المراقبون من أن التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الناتجة من هذه التحولات، قد تكون جسيمة، وتأتي هذه التوقعات غير مفاجئة للمملكة، في أوقات بالغة الغموض وسريعة التحول، فإن ظهور مثل هذه التوقعات المتشائمة، أمر متوقّع. ولكن، كما حدث في الماضي، سينقض المستقبل هذه التوقعات. وأوضح أن العولمة، والتصنيع، والتحضر، والتطور السريع المعتمدة على الطاقة أخرجت مئات الملايين من البشر من الفقر، وأوجدت طبقة متوسطة كبيرة في بلدان الأسواق الناشئة. ففي آسيا وحدها يمكن اعتبار 525 مليون نسمة كطبقة متوسطة وهو رقم يتخطى مجموع سكان الاتحاد الأوروبي. ويمكن القول بأن أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في تشكيل أسواق الطاقة طوال العقود الثلاثة الأخيرة، هو نمو الطلب على الطاقة من خارج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فبين عامي 1990 و2013، ارتفع استهلاك البترول في الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من نحو 25 مليون برميل يوميا إلى45.7 مليون برميل يوميا؛ أي بزيادة تفوق 20 مليون برميل يوميا. في الفترة نفسها، لم تتجاوز زيادة الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) 3.8 مليون برميل يوميا. وأضاف أنه من المتوقع نمو حجم الطبقة المتوسطة في العالم في خلال العقدين المقبلين من المستوى الراهن 1.8 مليار نسمة إلى 3.2 مليار نسمة في 2020، وإلى 4.9 مليار نسمة في 2030، ومن المتوقع أن يكون معظم هذا النمو في دول آسيا. وخلافا لما في دول الغرب، سيكون غالبية الطبقة المتوسطة الناشئة في آسيا، شبابا يتطلعون لزيادة استهلاكهم. وسيؤدي ارتفاع مستويات دخل التركيبة السكانية الشابة إلى زيادة قوية في الطلب على البترول، حتى بعد الأخذ في الحسبان ترشيد الاستهلاك واستخدام بدائل للوقود الأحفوري في قطاع النقل. وبالنسبة لاستهلاك البترول والوقود السائل، حتى بعض السيناريوهات المتشائمة، تتوقع زيادة في الطلب تقارب 20 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035. وأشار إلى أنه في حين أن من المتوقع استمرار الطلب على البترول في اتجاهه التصاعدي، يتبين أن زيادة العرض أصبحت أكثر تحديا وأعلى تكلفة. فقبل بضع سنوات، هيمنت فكرة المتحمسين لنظرية ذروة النفط، المصرة على أن الإنتاج العالمي للبترول تخطى مستوى الذروة. أما اليوم، انقلبت تلك الفكرة رأسا على عقب، واستبدلت توقعات الذروة بتوقعات الوفرة. ويتوقع البعض احتمال توجه السوق البترولية نحو صدمة في أسعار البترول، واصفين الوضع الراهن بأنه شديد الشبه بالفترة 1981 1986، التي بلغت ذروتها بانهيار شديد في أسعار البترول عام 1986، وقد أسهم تطوير موارد الزيت الصخري في الولاياتالمتحدة إلى حد كبير في هذا التحول في الرؤى. وبين أن هذه الرؤية لا تتوافق كليا مع البيانات. ففي العام 2002، بلغ مجموع الإنتاج من خارج دول أوبك، باستثناء دول الاتحاد السوفياتي سابقا، نحو 36 مليون برميل يوميا. وفي العام 2013، بقي مجموع الإنتاج من تلك الدول عند نفس المستوى. بعبارة أخرى، طوال العقد الماضي، لم يرتفع مستوى الإنتاج من خارج دول أوبك باستثناء دول الاتحاد السوفياتي سابقا، ما يعكس حقيقة أن الاكتشافات البترولية الجديدة، وتطوير موارد جديدة كانت بالكاد كافية لتعويض معدلات الانخفاض في الحقول القائمة، التي كانت بالغة الحدة في بعض الدول؛ فعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج المكسيك من 3.8 مليون برميل يوميا في 2004 إلى 2.8 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن، كما انخفض إنتاج المملكة المتحدة من 2.9 مليون برميل يوميا في ذروة إنتاجها عام 1999 إلى 866 ألف برميل يوميا في الوقت الراهن. ومع توقع انخفاض المعدلات العالمية بنسبة 5% إلى 6%، وتحتاج صناعة البترول العالمية إلى إضافة إنتاج سنوي جديد يتراوح بين 4.5 5.5 مليون برميل يوميا، لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض معدلات الإنتاج الطبيعية. وأفاد أنه بالرغم من التواضع الشديد لنتائج التنقيب والحفر طوال العقد الماضي، ومعدلٍ مخيب للآمال على صعيد الاكتشافات البترولية في الدول خارج منظمة أوبك، لايزال البعض يتحدث عن إمدادات بترول وفيرة وأسعار بترول ضعيفة في الأجل الطويل، غير مدركين أنه حتى في ظل هذه الأسعار القياسية للبترول التي تخطى معدلها 100 دولار للبرميل خلال السنوات الثلاث الماضية، عمدت الشركات البترولية العالمية إلى خفض ميزانيات التنقيب سعيا لتخفيض التكاليف. والأسوأ من ذلك، أن النفقات الرأسمالية للتنقيب والإنتاج، ارتفعت إلى حد كبير خلال العشر سنوات الماضية. فالاكتشافات الجديدة أقل حجما، ومعدلات انخفاض الحقول المنتجة حاليا تضاعفت بحلول فترة اكتمال استهلاك الأصول والحاجة إلى إعادة تطويرها، والشركات زادت من نفقاتها في مجال الصيانة. وقد أدى ذلك إلى البحث عن مكامن جديدة للبترول بكلفة أعلى للتعويض عن النقص في مناطق أخرى، ما نتج عنه ارتفاعا في مستوى سعر التعادل، أي تعادل النفقات مع العوائد، لدى شركات البترول العالمية، التي تعاني من تراجع تدفقاتها النقدية الحرّة بمقدار النصف منذ عام 2005. لذلك لم يكن مستغربا جراء ضعف أسعار البترول في الأسابيع الأخيرة، أن يحذر بعض الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات البترول من تعرض المليارات من الاستثمارات البترولية لمخاطر تراجع أسعار البترول الخام. وتحدث الرؤساء التنفيذيون صراحة عن اعتماد سعر 100 دولار للبرميل كمستوى سعر تعادل للنفقات مقابل العوائد، وأشاروا إلى أن اقتراب الأسعار من 100 دولار للبرميل، أصبح مصدر قلقٍ مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، حينما كانت تلك الأسعار تشكل مصدر ارتياح. وتابع سموه إن سوق البترول يحتاج إلى سعر مرتفع لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، خصوصا مع زيادة الإنتاج من مصادر جديدة وأكثر صعوبة مثل الزيوت الرملية والصخرية والبحرية، والزيوت المستخرجة من تحت طبقات الملح في المياه العميقة جدا، حيث أن هذه المصادر الجديدة للبترول تساعد في وضع حد أدنى لأسعار البترول في الأجل الطويل. ولفت الإنتباه إلى أنه إضافة إلى مصادر الإمداد الأكثر كلفة وصعوبة فإن معظم المنظمات الدولية تتوقع المزيد من الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي والعراق. وفي حال لم تنجح دول الشرق الأوسط بزيادة الاستثمار، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع أسعار البترول بنحو 15 دولارا فوق مستوى الأسعار الراهنة بحلول عام 2025بالأسعار الحقيقية. أساسيات السوق سليمة وتشير هذه الأنماط من العرض والطلب إلى أن أساسيات أسواق الطاقة في الأجل الطويل لا تزال قوية. ففي السوق البترولية، وعلى غرار أي سوقٍ أخرى، يمكن أن تؤثر عوامل مؤقتة، كالمخاوف بشأن تعافي الاقتصاد العالمي، والأحداث الجيوسياسية، والمضاربات في الأسواق المالية للسلع، ومنها البترول، على تقلبات السعر في الأجل القصير. ولكن بالنسبة إلى منتج ومصدر رئيس للبترول كالمملكة، من مصلحتها في الأجل الطويل استقرار السوق، فإن التقلبات اليومية، والأسبوعية أو حتى الشهرية، غير مهمة ولا تتعدى أن تكون مصدر ضوضاء حول اتجاه ثابت. عوضا عن ذلك، يرتكز اهتمام المملكة على أساسيات السوق في الأجلين المتوسط والطويل، خاصة أن المملكة نجحت طوال السنوات القليلة الماضية بزيادة مرونتها الاقتصادية أمام الضعف المؤقت في السوق البترولية، نتيجة لسياساتها المالية والنقدية الحصيفة. وقال سموه إن دول مجلس التعاون الخليجي ستواصل أداء دور مركزي في ظل هذا النظام المركب للطاقة؛ أما الآراء القائلة أن الزيت الصخري بالولاياتالمتحدة، سوف يؤدي إلى تراجع الدور المهم الذي تؤديه المملكة، وغيرها من المنتجين بدول الخليج في أسواق الطاقة العالمية خلال القرن الماضي، ليست إلا آراء مضللة، فبالإضافة إلى حجم احتياطياتها وإنتاجها، يوجد عامل مفصلي يميز المملكة، يتمثل بأنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بطاقة إنتاجية فائضة قابلة للاستخدام. ففي حال انقطاع الإمدادات نتيجة عوامل جيوسياسية أو فنية، وهو ما حدث كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث عمدت المملكة إلى استخدام فائض طاقتها الإنتاجية، لتعويض نقص العرض، ما أدى إلى استقرار أسعار البترول. فبين عامي 2011 و 2013 أشارت التقديرات إلى أن الأسواق فقدتْ أكثر من 1.6 مليار برميل من إنتاج البترول نتيجة انقطاع الإمدادات، بادر المنتجون بدول مجلس التعاون الخليجي إلى استخدام فائض طاقتهم الإنتاجية، لتعويض نقص العرض والحيلولة دون الارتفاع السريع والمبالغ فيه لأسعار البترول. وقد ارتفع الإنتاج المشترك للمملكة والكويت وقطر والإمارات من 14 مليون برميل يوميا، قبل بداية الربيع العربي، إلى أكثر من 16 مليون برميل يوميا خلال معظم السنوات الثلاث الماضية. وأشار إلى أن أهمية الطاقة الإنتاجية الفائضة لا تقتصر على فترات انقطاع الإمدادات، فخلال الفترة 2002 2007، ارتفع الطلب العالمي على البترول بوتيرة سريعة جدا، نتيجة ارتفاع النمو الاقتصادي في آسيا. وخلال نفس الفترة، ارتفع بحدةٍ الطلب العالمي على البترول ب 8 ملايين برميل يوميا، ونجحت المملكة والمنتجون بدول مجلس التعاون الخليجي بزيادة الإنتاج لتلبية ارتفاع الطلب العالمي على البترول. ولولا هذه القدرة على زيادة الإنتاج خلال فترة قصيرة نسبيا، لتصاعدت الأسعار لتحقيق توازن السوق، ما كان سيؤدي إلى زيادة التضخم العالمي، وإلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي. لذا، تعد تلك الطاقة الإنتاجية الفائضة، بمثابة تأمين ضد التقلبات غير المتوقعة في أوضاع سوق البترول العالمية، وأداة رئيسة للمحافظة على استقرار كلٍ من أسواق البترول والاقتصاد العالمي. كما تنتشر وجهة نظر أخرى على نطاق واسع، تفيد بأن تراجع اعتماد الولاياتالمتحدة على واردات البترول من المنطقة، سيؤدي إلى تراجع اهتمام الولاياتالمتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف سموه أنه تاريخيا، كان اعتماد الولاياتالمتحدة على الواردات من المملكة متواضعا، ففي عام 1977 بلغت واردات الولاياتالمتحدة من البترول الخام من المملكة معدل 1.3 مليون برميل يوميا، ثم ارتفعت إلى 1.7 مليون برميل يوميا في عام 1991، إبان حرب الخليج الأولى، لتعود إلى 1.3 مليون برميل يوميا في عام 2013. كما بلغ معدل واردات الولاياتالمتحدة من البترول الخام من دولة الكويت عام 2013 حوالى 300 ألف برميل يوميا، وهذه تعد أكبر كمية تستورها الولاياتالمتحدة من الكويت خلال العقدين الماضيين. وبالنسبة لمنتجي دول المجلس الأخرى كدولة الإمارات وعمان وقطر كانت صادراتها البترولية إلى أمريكا تعادل الصفر تقريبا خلال العقود الثلاثة الماضية. وتدل هذه الاتجاهات على أن التغيرات في صادرات المنتجين بدول المجلس إلى الولاياتالمتحدة، تمليها ظروف السوق والاعتبارات التجارية. وسواء استوردت الولاياتالمتحدة البترول الخام من دول مجلس التعاون الخليجي أم لم تستورد، فهي مسألة قليلة الأهمية لديناميكية الأسواق، ذلك أن الخامات البترولية قابلة للاستبدال بخامات أخرى مشابهة، فالبترول الذي لا يمكن بيعه للولايات المتحدة سوف يجد طريقه إلى أسواقٍ أكثر حاجة إليه. وبين أنه علاوة على ذلك، فإن أسواق البترول العالمية مترابطة إلى حد كبير، وأي صدمة على مستوى العرض في أي جزء من العالم، من شأنه أن يؤثر على أسعار البترول في أنحاء العالم كافة. وبما أن الولاياتالمتحدة لاتزال بعيدة عن تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من البترول الخام، فلا يمكنها أن تنأى بنفسها عن مثل تلك التقلبات في إمدادات البترول العالمية. ولكن لنفترض جدلا أن الولاياتالمتحدة باتت اليوم مكتفية ذاتيا، فإن انقطاع الإمدادات يمكن أن يظل مكلفا، ليس فقط من حيث تأثيره المباشر على الاقتصاد الأمريكي، بل أيضا بشكلٍ غير مباشر من خلال تأثيره على شركائها التجاريين. حيث سيؤدي النقص في الإمدادات إلى التدافع على البترول، ما سينتج عنه ارتفاع الأسعار ويؤثر ذلك بدوره على الاقتصاد العالمي، ويطال في نهاية المطاف الاقتصاد الأمريكي. ولمنع تأثير صدمات انقطاع الإمدادات، سيتعين على أمريكا فصل اقتصادها وسوق البترول المحلية عن بقية العالم من خلال سياسات انعزالية، وهو أمر غير مجدٍ اقتصاديا. وأفاد سموه أنه انطلاقا من القناعة الثابتة للمملكة بقوة أساسيات سوق الطاقة في الأجل الطويل، ورؤيتها بأن المنطقة ستؤدي دورا أساسيا في تلبية نمو الطلب العالمي المتوقع على الطاقة، فإن حكومات دول مجلس التعاون تسعى إلى بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على موقعها، وتحسينه في النظام العالمي في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة. ومن أجل المحافظة على قدرتها التصديرية، تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بجد على إعداد برامج جديدة لرفع كفاءة استهلاك الطاقة. و «رغم أن هذا النمو في الطلب يعزى بصورة أساسية إلى النمو الصناعي وتنامي الرفاهية الاقتصادية في المملكة، فإن جزءا كبيرا منه نتج عن عدم الكفاءة في الاستهلاك، وأدى إلى هدر الطاقة ما يجعل هذا النمو المتسارع أمرا غير قابلٍ للاستدامة». رفع كفاءة الطاقة وتشهد المملكة بالفعل مجهودات لخفض كثافة الطاقة في النشاط الاقتصادي، من خلال تطبيق برامج لرفع كفاءة الطاقة. بالإضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة، تعمل دول المنطقة على تنويع استخداماتها لمصادر الطاقة. إذ إن معظم الطلب على الطاقة بدول مجلس التعاون الخليجي، يتم تلبيته حتى الآن من المصدرين الرئيسين لموارد الطاقة، هما البترول الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي، وتبذل جهودا كثيرة لزيادة دور الطاقة المتجددة والطاقة النووية في مزيج الطاقة في دول المجلس. وهذه الجهود لرفع كفاءة استهلاك الطاقة، وتنويع مصادرها، ينبغي النظر إليها بوصفها تأكيدا لقناعة المملكة بقوة أساسيات أسواق البترول في الأجل الطويل، ما يمكن المنطقة من المحافظة على قدرتها التصديرية. وقال دعونا نبذل قصارى جهدنا لتنويع الاقتصاد، والاتجاه نحو التصنيع لننتقل في النهاية إلى مجتمع المعرفة، ويعد انتشار المجمعات الصناعية والتجمعات حول مصانع البتروكيماويات، جزءا من هذه الاستراتيجية. كمشروعات التجمعات الصناعية السعودية، مثل مشروعات السيارات، والطاقة الشمسية والبلاستيك والتغليف، والأجهزة المنزلية، وتشير بوضوح إلى رغبة الحكومات الإقليمية، في إنشاء الإطار المناسب لتعزيز التكامل للوصول للمنتجات النهائية، وتطوير قاعدة صناعية، تضم الأنشطة المساندة كافة، فضلا عن دمج المصافي والعمليات البتروكيماوية، وهو اتجاه اكتسب زخما في السنوات الأخيرة، كما يتضح من إطلاق مشروعات عملاقة جديدة مثل «صدارة» و «بترورابغ» و «ياسرف» و «ساتروب» و «جيزان». وأضاف أن المملكة تمتلك موارد قيمة أخرى غير البترول والغاز، فقد حددت وزارة البترول والثروة المعدنية 1270 مصدرا للأحجار الكريمة، و1170 مصدرا للمعادن الأخرى، كما أصدرت أعدادا متزايدة من امتيازات التعدين والاستكشاف. وتشجع مشاركة القطاع الخاص في مجال تطوير قطاع التعدين، من خلال حوافز للاستثمار المحلي والأجنبي، بهدف تطوير قطاع التعدين. وتمّ ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية كمحطات توليد الكهرباء، وإنتاج المياه، ومرافق التنقية والتوزيع والطرق والاتصالات لدعم عمليات التعدين. إن تنمية صناعة التعدين، ستمكن المملكة من زيادة القيمة المضافة المحلية من استغلالها لثرواتها الطبيعية، وستساعد استراتيجية المملكة المزدوجة للتكامل الأفقي والرأسي في عمليات التكرير والبتروكيماويات والتعدين على التنويع الاقتصادي، وزيادة الطلب المحلي المرشد على مصادر الطلب على الطاقة. ولفت إلى أن هذه الجهود لا تتركز فقط على قطاعات التعدين والطاقة والصناعات المكثفة للطاقة، فقد حسنت المملكة نظام الاستثمار لديها، لجذب الاستثمار الأجنبي، وتدفقات رأس المال، ويجري التخطيط لاستثمار 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. وأكد أن قوة اقتصادات دول المنطقة أدت إلى احتلالها مكانة أكبر على الساحة الدولية، وبوجود أكثر من 10 صناديق سيادية، يبلغ إجمالي أصولها 1.7 تريليون دولار تحت إدارتها، أصبحت معه دول مجلس التعاون الخليجي من كبار الممولين الماليين في العالم، في وقت تعاني فيه العديد من دول العالم من العجز وتراكم الديون. وقد وفرت هذه الاحتياطيات الكبيرة من العملة الأجنبية والأصول ملاءة مالية مهمة ضد الضعف الطارئ في الأسواق البترولية. أما الادعاءات القائلة أن انخفاض أسعار البترول، سيتسبب بانهيار اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فليست إلا ادعاءات مضللة على أقل تقدير، تتجاهل المرونة المتزايدة لدى اقتصادات دول المجلس. كما تشكل دول مجلس التعاون الخليجي سوقا استهلاكية مهمة. ففي عام 2013، بلغت قيمة وارداتها من السلع والخدمات نحو 711 مليار دولار، أي ما يتجاوز تقريبا ثلاثة أضعاف متوسط تلك الواردات خلال 2000 2008 الذي بلغ 240.8 مليار دولار. فمن حيث الغذاء وحده، سيبلغ إجمالي الإنفاق على واردات الغذاء ضعف مستواه الحالي، ليصل إلى 53.1 مليار دولار بحلول عام 2020. وقد ساهم التكامل المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي في النظام الاقتصادي العالمي من خلال التجارة والاستثمار، والروابط المالية، بفسح المجال لتؤدي المنطقة دورا رئيسا في إعادة التوازن للاقتصاد العالمي. ويعني ارتفاع قيمة الصادرات البترولية المزيد من الإنفاق على السلع والخدمات الأجنبية، والمزيد من الاستثمار في الأصول الأجنبية، والمزيد من الاستثمار في الاقتصادات المحلية، التي ستوفر فرصا هائلة للمستثمرين الأجانب. وبين سموه أن دول مجلس التعاون الخليجي تؤدي دورا أساسيا من الناحيتين السياسية والاقتصادية، بالنسبة لبقية دول الشرق الأوسط. فخلال السنوات القليلة الماضية، قامت دول مجلس التعاون بأداء دورٍ رئيس في المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة. وعندما فرضت الحكومات الغربية إجراءات تقشف، وأعادت رسم سياساتها الخارجية، تاركة فراغا كبيرا في المنطقة، كثفت دول مجلس التعاون مبادراتها السياسية، وزادت مساعداتها الاقتصادية ودعمها المالي لشركائها الاستراتيجيين المتضررين في المنطقة. وقد أسهم هذا الدعم الاقتصادي والسياسي بالنسبة لتلك الدول، على تخفيف بعض الضغوط المالية الآنية، والمحافظة على أمنها السياسي والاجتماعي. إلا أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تدرك محدودية إمكانياتها، أخذت في الحسبان التحديات الماثلة أمامها، وتقدر أن أي جهد ناجح لاستقرار المنطقة، ينبغي أن يكون ضمن تعاونٍ دولي واسع، ولو غاب دعم دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الماضية لكان من المحتمل أن يكون الوضع السياسي في الدول المتضررة في المنطقة أسوأ بكثير مما هو عليه راهنا.