ربما تساءل القارئ المتذوق للأدب: هل نضب الفن الروائي المحلي والعربي ولم يعد بإمكانه انتاج أعمال أدبية ذات قيمة فنية وإبداعية عالية المستوى ترصد وتصور هموم وهواجس وأحلام الانسان بعمق موضوعي و تقنيات سردية ولغة ثرية بدلالاتها التعبيرية، لتكون خالدة في وجدانه ومؤثرة في وعيه وذائقته؟. ربما تساءل أيضاً: لماذا معظم ما انتج في العقدين الأخيرين مجرد استنساخ وتقليد هش للمتراكم الماثل بين أيديه من أعمال خالدة؟. وايضا ما هو المعيار الذي على أساسه توصف معظم الاعمال المعاصرة المحلية والعربية بأنها أعمال إبداعية متميزة؟. قد يبدو هذا الطرح مجحفاً وقاسياً، ولكن كيف يستقيم الأمر عندما نتذكر أعمالاً مثل روايات عبدالرحمن منيف (مدن الملح، التيه، الاخدود، شرق المتوسط وأرض السواد ..وغيرها) أو أعمال غالب هلسا (البكاء على الأطلال، ثلاثة وجوه لبغداد، نجمة، وسلطانة وغيرها) أو أعمال نجيب محفوظ الغنية عن الذكر وقصص وروايات يوسف ادريس (النداهة، ليلة صيف، والعسكري الاسود، الحرام، العيب، وغيرها) وروايات الطيب صالح (مريود، عرس الزين، ضو البيت، وموسم الهجرة الى الشمال..)، ناهيك عن أعمال الطاهر وطار ومحمود شكري واسماعيل فهد اسماعيل وابراهيم الكوني وحيدر حيدر ومليكة أوفقير وواسيني الأعرج وجمال الغيطاني وغادة السمان، ووصولا الى كتاب التسعينيات ومنهم أحلام مستغانمي وعبده خال وعلاء الأسواني وصنع الله ابراهيم وفاضل غزاوي.. (أسرد الأسماء هنا دون تصنيف اقليمي أو ترتيب قيمي أو حصر، فقط للتدليل على المستوى الذي أعنيه)... والقائمة طويلة من الأدباء الحديثين الذين أثروا المكتبة العربية بأدب رصين ينطبق عليه وصف (ابداع).. فهل يستوي هؤلاء مع عشرات الأسماء الهاوية التي أخذت تقذف بمنتجها الرخو؟ بالمقابل تكون المقارنة أكثر وقاحة عندما نطلق على تلك المنتجات المحلية العابرة صفة (إبداع) ونضعها في خانة موازية للمنتج الادبي العالمي مثل أعمال: البير كامو وتشيخوف وميلان كونديرا وتولستوي وهمنجواي وجورج أورويل وكافكا وماركيز وبورخيس وايزابيل اللندي وهاروكي مورا كامي وكينزا بورو أويه وغيرهم الكثير والكثير من الروائيين الذين يصعب حصرهم في هذه العجالة. هنا تتحتم مجموعة من الأسئلة، ربما تتكامل مع أسئلة البداية التي أفترض أنها تجول بذهن القارئ، هذه الأسئلة مثل: أين يقف المنتج الأدبي الروائي المحلي والعربي الراهن؟ وكيف تتشكل ذائقة قارئه المخدوع (من الشبيبة والطليعة على الأقل)؟. ثم هل اختفت ظاهرة الرواية الأكثر حضورا وتأثيراً في الثقافة العربية الجمعية؟، مثلما كان يحدث في السبعينيات والثمانينيات؟ وأيضا، ماذا عن أثر اللغة التي يستخدمها المترجمون العرب المحترفون، (وهي لغة فنية سامية بجمالياتها وتراكيبها).. لغة المترجمين الذين نقلوا الى العربية جل الأعمال العالمية الرائعة، أمثال محمد علي يوسفي، صالح علماني، رفعت عطفة... ما تأثيرهم على المحدثين من الكتاب والكاتبات في تقليد تقنيات ولغة مترجماتهم؟ وأخيراً: هل جائزة كتارا للرواية العربية المزمع إطلاقها في قطر بعد شهور قليلة ستنهض بكتاب جدد يعيدون المعادلة الى نصابها؟ ثم ختاماً: هل جائزة البوكر العربية ساهمت في دفع الكتاب الروائيين نحو الاستنساخ والاستسهال والادعاء بأنها كتابة مؤثرة ومن ثم سهلت للصحافة الثقافية المحلية اطلاق وصف (ابداع ومبدع) على كل من هب ودب؟.