تشكل زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، إلى فرنسا، دفعة إيجابية للعلاقات التاريخية بين البلدين، خصوصا أن هذه الزيارة ستبحث تمتين وتعزيز العلاقات السعودية الفرنسية والشراكة التي تربط البلدين والبحث عن توطيد هذه الشراكة بمشاريع جديدة خاصة في المجالين العسكري والأمني وإيجاد سبل تعاون لمكافحة الإرهاب والاتفاق على استراتيجيات لمجابهة التحديات التي تواجهها المنطقة مع ظهور الجماعات المتطرفة التي تستدعي تضافر كل الجهود الدولية لمجابهتها. «عكاظ» استطلعت آراء وزراء وخبراء فرنسيين حول أبعاد وأهمية هذه الزيارة، إذ رأوا أن التعاون الفرنسي السعودي في المجال العسكري والأمني يجب أن يأخذ المكانة التي تليق بالبلدين، خاصة أن اتفاق الرؤى حول المسائل الأمنية سيكرس مجابهة أكيدة ومثمرة على الأرض للتوترات الأمنية التي يشهدها الشرق الأوسط. وهو ما صرح به مؤخرا وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، بأن بلاده حريصة على الشريك المفضل في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يقول هرفي موري وزير الدفاع الفرنسي السابق ونائب بالبرلمان الفرنسي، «يجب أن نقول إن المملكة العربية السعودية وفرنسا أنشأتا تعاونا عسكريا طويل الأمد، يمتد لسنوات سابقة تعود لأكثر من عشرين سنة». فيما يعتبر بوول قيلاس وزير الدفاع سابقا، أن القوات الجوية السعودية شاركت القوات الجوية الفرنسية في تدريبات «الدرع الأخضر» وكان ذلك أول ظهور للسلاح السعودي في أوروبا برمتها. وذكر الخبراء في المجال العسكري والأمني، أن التعاون العسكري بين البلدين لم يقتصر على التدريبات المشتركة بل كان محور العديد من الاتفاقيات التي معظمها كانت اتفاقات شراكة طويلة أو قصيرة الأمد أهمها تجديد الأسطول العسكري وتدريب الفرق السعودية على تقنيات حديثة تندرج ضمن الاتفاقيات بين الطرفين. ويضيف الخبير في الشؤون الأمنية والقضايا الدولية جان ماري كولين، إن المملكة بقيادتها الرشيدة وباعتبارها عضوا فاعلا ونشطا في المجموعة 20، لها مكانة محورية في لعب الدور المحوري في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وقد استطاعت المملكة تعزيز موقعها على الساحة الدولية من خلال الخيارات التي اتخذتها في العديد من القضايا الدولية التي كانت تستدعي الرشد والتريث في التعامل معها. فضلا عن دورها ومكانتها في مجموعة 20. ومن جهة أخرى، يقول جون مولني المدير بالنيابة لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، إن التعاون العسكري السعودي الفرنسي، قطع شوطا مهما في العلاقات السعودية الفرنسية بعد اتفاقيتي سواري 1 وسواري 2، اللتين أبرمتا في سنوات الثمانينات والتسعينات والقاضيتان ببناء ثلاث فرقاطات افاييت، تكفلت بتنفيذهما شركة «تاليس» ودعمت بسواريس 3. وتطورت العلاقات السعودية الفرنسية بعد الاتفاق على اقتناء معدات عسكرية فرنسية خاصة بعد اتفاق 2006 الذي أعطى دفعا جديدا للشراكة بين البلدين. وكذلك، يقول هيوبار فيدرين، من الذين تعاقبوا على وزارة الدفاع الفرنسية، «هناك عنصرا مهما لا يمكن إغفاله في هذا النوع من الشراكة، وهو أن هذا النوع من البرامج المتعلقة خاصة بالصفقات الدفاعية يستلزم تعاونا على مدى 30 سنة على الأقل مع برامج للتحديث على فترات منتظمة وهو في الغالب عمر المعدات المقتناة. لذلك فالمملكة العربية السعودية وفرنسا حريصتان كل الحرص على المضي في شراكة دائمة تؤسس لعلاقات ثنائية تخدم الشعبين وحتى شعوب المنطقة». ويضيف: «مستوى عال من الثقة السياسية والاستراتيجية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية يبرهن على أن ذلك هو المفتاح لنجاح التعاون في مجالي الدفاع والأمن الذي يتوطد من سنة إلى أخرى. هذا البعد في الشراكة الاستراتيجية توج في نهاية 2013 وبداية 2014 بإبرام العديد من الصفقات المتعلقة بتحديث الدفاع الجوي للمملكة العربية السعودية وصل فيها الرقم إلى أكثر من 2.5 مليار دولار». وبعيدا عن الشراكة الأمنية والدفاعية، تنوعت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى حد كبير، وأصبحت فرنسا اليوم ثالث مستثمر في المملكة، بحيث عززت المملكة شراكتها مع فرنسا في مجالات متعددة كالتجارة والاقتصاد والتبادل الثقافي وكذلك تعزيز التعاون في مجالات ذات أهمية قصوى بالنسبة للمملكة كالطاقات المتجددة والطاقات النووية المدنية.