النظر دائما إلى الجزء الفارغ من الكأس، أو الجانب المظلم من الصورة، هو بكل تأكيد طبع المتشائم. وليس «المتشائل» صاحب أميل حبيبي، سعيد أبي النحس، المتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم. هذا ما ينطبق على نظرة الناقدين للمتعاملين مع منظومة الإعلام الفردي والتواصل الاجتماعي، فكثيرون يحجمون من محاولة بعض الناشطين الإلكترونيين في إيجاد أرضية جماهيرية لهم ضمن الواقع الافتراضي المتنامي، للتعريف بأنفسهم، ونشر فنونهم ورؤاهم ويومياتهم وأحلامهم، وأيضا سخافاتهم واستعراضاتهم ونزقهم. ومع أن الجماهير الافتراضية، في الغالب الأعم، مختلفون في توجهاتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية. لكن مهما يكن من أمر تجمعهم كما أعتقد محبة الأدب والشعر والسينما والموسيقى والصورة والتشكيل والدراما... إلخ، وبالطبع مع الانتصار لنعراتهم الأيديولوجية أو الإثنية أو القومية، فتلك عادة البشر. لهذا فالناشط الإلكتروني يسعى إلى التواصل مع أشباهه، وفهم الحياة بطريقته لا بطريقة الأجيال السابقة، ولا بطريقة الناشر الورقي والإعلام الرسمي، بكل تأكيد. هذا الناشط، سواء كان روائيا، شاعرا، رساما، موسيقيا، فوتوغرافيا، مصمما داخليا أو غرافيكيا، ممثلا، عازفا، ناقدا... إلخ، يتحرك في فضاء بنرجسيته العالية، ويتقبل نرجسية المتفاعلين معه، ويدرك أن كل القنوات الإلكترونية: فيس بوك، تويتر، انستغرام، واتس أب، يوتيوب.. وغيرها، إنما هي كيان اجتماعي يتيح له إمكانية تحقيق ذاته العليا، مع أنه يدرك كل المحاذير الاجتماعية التي تحجم من ذاته الدنيا التي يحاول بعض راغبي الشهرة تجاوزها ويحاول قدر المستطاع الظهور بالمظهر السوبر إنسان الملائكي الطهراني المبدع، وأن يحقق إعجابا ومتابعة مع أكبر قدر ممكن من النشطاء أمثاله. هنا يكمن جوهر العقد والاتفاق الضمني غير المعلن: (تابعني لأتابعك وتفاعل معي لأتفاعل معك). الكل يحاول الاستئثار بأكبر عدد من ال2.5 مليار مستخدم في العالم، أو على أقل تقدير من المائة وستة مليون مستخدم عربي، (يتزايدون بشكل يومي).. يختار جمهوره منهم ويبث لهم بأعماله وصوره وأفكاره، وهم بدورهم يختارونه، ويتفاعلون معه بقدر ما يتفاعل معهم.. وفي كل الأحوال لنتسائل: هل سيخسر هذا الناشط أو سيكسب لو أن أصدقاءه وصل تعدادهم إلى ألف شخص أو حتى عشرة آلاف أو حتى مليون شخص؟ من المؤكد أن معظم النشطاء سيتابعون، ضمن ما يتابعون، أعمال بعضهم البعض، وسيتحدثون عنها، ضمن ما يتحدثون عنه، في حواراتهم المتبادلة التي قد تضيف أصدقاء آخرين يشدهم النقاش الدائر عن تدوينة له أو تعليق أو رواية له أو قصة أو قصيدة، لوحة، مسرحية أخرجها أو مثل فيها، حتى لو مقالة طرح فيها وجهة نظره في قضية ما.. هذه النقاشات تتطور إلى علاقات صداقة، تثمر المزيد من الاهتمامات البناءة التي تزهر دخيلة الطرفين والأطراف المشتركة، وتنتج عنها تفاعلات منتقلة من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي: (ندوات، معارض، أمسيات، ملتقيات... إلخ) بما يعمم وعيا متجددا في حراك يثري الحياة ويحلي مذاقها.