ثبت بالتجربة والأدلة القاطعة أن ما يصيب جزءا من الكرة الأرضية يصيب حتما الأجزاء الأخرى بآثاره وتبعاته ونتائجه السياسية والاقتصادية والأمنية. ربما تكون بؤرة الحدث أشد تأثرا ودمارا لكن لا أحد في هذا الكون بمنأى عن الشظايا والإصابات، كبرت أو صغرت. ولذلك كان ولا يزال من المستغرب أن تربي بعض أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية جماعات إرهابية وتدعمها لتنفذ من خلالها مساومات لتحقيق مكاسب سياسية في هذا الإقليم أو ذاك. الآن ونحن نعيش زمن داعش المكتظ بالإرهاب والتدمير والقتل وكل الارتكابات المفرغة من الإنسانية يتنادى العالم لمكافحتها باعتبارها وباء سيصيب ويضر الجميع بلا استثناء. وما كان هذا التنادي وارادا في بدايات صلفها واعتداءاتها على الآمنين في العراق لأن هناك، من جهة، من رأى أنها تحظى بتسامح ودعم غربيين، ومن اعتقد من جهة أخرى، بعيدا عن جغرافية جنونها، أنه بمنأى عن هذا الجنون. وبينما كان الاعتقاد بتساهل غربي مع الجنون الداعشي واردا لم يكن صحيحا بالمرة أن (الغرب) سيظل ينعم بالأمن والراحة وأنه لن ينقلب عليه سحره كما انقلب عليه من قبل عشرات المرات. الإرهاب لا ضمير له، ومن الحماقة البالغة التعويل على حسن انضباط منتسبيه ومرتكبيه، لأنه أصلا فعل يقوم على التمدد وتخريب وتدمير كل ما تطاله يده مما هو في صالح الناس. والإرهابيون لا يفرقون بين أمة وأخرى أو شعب وشعب أو ملة وملة، فالكل عند الإرهابيين سواء وقابلين للقتل وسفك الدماء. لقد تفرجت أمريكا طويلا على الداعشيين وهم يقتلون الناس ويسبون النساء ويهجرون السكان ويتبادلون ابتسامات حز الرؤوس ثم هاهي الآن بعد أن وصل فعل الإرهاب رقبتها تتخذ موقفا واضحا وتعتبر (داعش) سرطانا تجب إزالته. وهذا من عجائب السياسة الدولية وغرائبياتها، إذ لا يمكن أن يتخيل عاقل في هذا العالم أن سياسييه لم يصلوا بعد إلى القناعة في الاجتماع والإجماع على قطع رقبة الإرهاب الذي يهددهم وأوطانهم وشعوبهم. وقد كانت (داعش) آخر الدروس على المستوى الإقليمي والدولي، فهل فعلا عرف (العالم) أن الإرهاب لاحدود له ولا نهاية لشره، أم أن السياسيين سيظلون يكابرون ويعيدون هذا الإرهاب والتعامل معه إلى المربع الأول، كما رأينا في تجربة العقود الماضية.؟!