قصص الحجارة المؤلمة كثيرة. أتذكر أول «فقشة» في رأسي في المدرسة عندما كنت طالبا صغيرا. حجرا طائرا «طائشا» بحجم المشمشة هبط على جبهتي بطريقة مؤلمة لاتزال آثارها موجودة إلى حين كتابة هذا المقال. وكونت بعدها علاقة عجيبة مع الحجارة، لدرجة أنني لم أستطع أن أحب مادة الجيولوجيا بالرغم من جمالها وأهميتها. ومع مرور الزمن اكتشفت أهمية الحجارة في حضارات العالم، ووجدت بعض الجوانب المؤلمة فيها وألخص بعضها في التالي: في المتحف البريطاني في مدينة لندن ستجد حجر «رشيد». ولهذا الحجر أهمية خاصة لأن أغلب زوار المتحف يتهافتون عليه، ويعتبرونه الأكثر أهمية من آلاف المحتويات في هذا المركز الحضاري. الحجر نفسه مكون من الجرانيت الأسود الأملس، ومساحته تبلغ حوالى ضعف مساحة الصفحة التي تقرأها بين يديك الآن، ولكنه سميك جدا، ويبلغ وزنه حوالى سبع مائة كيلوجرام، ما يعادل حوالى نصف وزن سيارة فولكسفاجن «جولف» . وأهميته أنه فتح الباب لفهم الحضارة الفرعونية. والسر يكمن في النقوش على سطح الحجر بثلاث لغات مختلفة: هيروغليفية، ويونانية، وديموطيقية (وهي اللغة القبطية القديمة في مصر). وقد تم اكتشاف هذا الحجر في مدينة رشيد المصرية في أقصى شمال البلاد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط عام 1899 من أحد أعضاء البعثة العسكرية الفرنسية. وعندما انتصر الإنجليز على الفرنسيين، أخذوا الحجر ووضعوه في المتحف في لندن.. وأهميته هو أنه فتح باب الترجمة للغة الهيروغليفية، وبالتالي فتح باب دراسات الحضارة الفرعونية على مصراعيه بدقة. وكان الفرنسي «جان فرنسوا شامبليون» هو العالم الذي اكتشف الآلية للترجمة. ولم تكن بسيطة لأن تلك اللغات كانت لغات ميتة، ولم يكن العالم يهتم بها كثيرا آنذاك. ومن العجائب أن بريطانياوفرنسا اختلفوا على ملكية حجر رشيد: هل الأجدى أن يكون في إنجلترا (وهو مكانه الحالي)؟ أم أن مكانه الصحيح هو فرنسا (احتراما للمكتشف) ؟، تخيلوا الجرأة العجيبة: الحجر مصريا. ووجدوه في مصر. ويحكي تاريخ مصر. وتتنافس عليه إنجلتراوفرنسا؟ مؤلمة يا جماعة. الحجر ليس ملكا لهم ويتنازعون على ملكيته. والقصة الثانية من القدس وتحديدا من حائط البراق الذي يسمونه «حائط المبكى» وهذا غير صحيح.. ويسميه اليهود «الحائط الغربي» نسبة إلى الهيكل المزعوم. وحسب زعمهم أن معبد سليمان كان يقع على ساحة الأقصى وأن حائط البراق يمثل جهته الغربية. ويمثل هذا المكان أقدس الأماكن لليهود بمختلف فرقهم نظرا لقربه من موقع «قدس الأقداس» واسمه «تيبيريان» بالعبرية. الشاهد أن الحائط الضخم الذي يبلغ طوله ما يعادل نصف طول ملعب كرة قدم تقريبا.. ويعادل ارتفاعه حوالى عشرين مترا.. ما يعادل حوالى ستة طوابق.. يحتوي على حجارة عملاقة تسمى «الكتل» باللغة العبرية. وتتراوح أوزانها من ألفين إلى أكثر من عشرة آلاف كيلوجرام. وبعد سقوط القدس بالكامل عام 1967 تم هدم منطقة حي المغاربة بالكامل على رؤوس سكانها الفلسطينيين المدنيين لتوسعة ساحة الحائط لتكون مصلى مفتوحا لليهود. والمؤلم أن تواجد المصلين اليهود يوميا في المنطقة أمام حائط البراق أصبح من المشاهد التي توحي للعالم أن الحائط ملك لليهود. مؤلمة. لأن الحائط وحجارته ليسوا ملكا لهم. والقصة الثالثة للحجارة هي للرمز الذي استخدمه أطفال فلسطين عند اندلاع الانتفاضة في 8 ديسمبر 1987. وكان من الأسلحة المهمة لأنها كانت تعكس رسالة مهمة للعالم حيال الظلم الذي تعرضت له فلسطين: حجارة أطفال تتحدى دبابات مصممة لتدمير حصون، وضد رشاشات مصممة لإبادة قوات عسكرية مسلحة، وعسكر مدربون للقتال والقتل. وكان السياسيون الإسرائيليون يدعون أن الفلسطينيين يرمون حجارة «إسرائيل» على جنودهم. وهذه كذبة مؤلمة لأن كل حجر هو ملك لفلسطين. أمنية قصص الحجارة كثيرة، والعديد منها يعكس حكايات مؤلمة، ولكن أكثرها ألما هي قسوة قلب العالم فأصبحت قلوب العديد من المسؤولين وكأنها أكوام من الحجارة. أتمنى أن تلين هذه القلوب المتصلبة لرفع الظلم عن المظلومين.. والله قادر على كل شيء. وهو من وراء القصد. [email protected]