كنت ألمحت في مقالتي الماضية أننا انسقنا كثيرا وراء الانبهار الذي أفلح الإعلام الصهيوني من خلال ترسانته وطاقته المسخرة لخدمة المد الصهيوني وتزويق الصورة الكريهة للعدو الإسرائيلي لتمرير طغيانه وكسره كل القواعد والأعراف الإنسانية وقلب الحق إلى باطل حتى إن الكثيرين ممن أعشاهم شعاع الانبهار اصطفوا في صفوفهم وسوقوا لفرية أن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية في الشرق الأوسط وأفسح هنا للأستاذ الكبير وحيد عبدالمجيد الكاتب بصحيفة الأهرام ليميط اللثام عن واقع الإعلام في إسرائيل إذ يقول.. «تذكر صحفيون وإعلاميون إسرائيليون أخيرا.. أن هناك قواعد لمهنتهم ينبغي احترام الحد الأدنى منها على الأقل.. تحت أي ظرف، حتى في حالة الحرب. فقد بدأوا في مناقشة العدوان الهمجي على قطاع غزة بعد أن ظلوا لأكثر من شهر جزءا لا يتجزأ من آلة القتل والتدمير والتخريب التي ارتكبت أبشع جرائم ضد الإنسانية منذ الحرب الأهلية في رواندا. ولم يشذ عن ذلك إلا صحيفة «هآرتس» اليسارية التى اتهم صحفيوها بالخيانة كما يحدث عادة عند مخالفة التوجهات الفاشية في أي مكان. ويبدو هذا المستوى من الفاشية جزءا من حالة التطرف العامة التي تأخذ المجتمع الصهيوني إلى العصور الوسطى بعد أن كشف العدوان الأخير أنها تتنامى بسرعة قياسية. ورغم أن الإعلام الإسرائيلي تعود على عدم انتقاد البيانات الحكومية خلال الاعتداءات على العرب، فقد تجاوز الأمر هذه المرة الصمت المعتاد إلى الصخب الشديد في تبرير هذه البيانات دون إثارة حتى سؤال أو استفسار بشأن مدى صحتها وحدود صدقيتها. كما تبارى صحفيون وإعلاميون في نسج أكاذيب متهافتة ومثيرة أحيانا للسخرية، وتقديم روايات عن بطولات قادة الفرق والألوية الذين كانوا في الواقع أشبه بفئران مذعورة ومجنونة في آن معا. أما الصور التي نشرتها الصحف وبثتها محطات التليفزيون فقد تلقتها مباشرة من جهاز الرقابة الذي ينشط في مثل هذه الظروف ويتحول إلى مؤسسة إعلامية تصور وتعد التقارير نيابة عن صحفيين وإعلاميين طغت فاشيتهم على مهنيتهم، فبدا جوبلز تلميذا صغيرا لدى أصغرهم. ولم تفلح محاولة صحيفة «هآرتس» تقديم شيء من الحقائق وسط إعلام فاشي اصطف كالقطيع مصفقا لمذابح وجرائم يندى لها الجبين، لأن التيار السائد في المجتمع الصهيوني أكثر فاشية من ذلك الإعلام. ولذلك ألغى عدد كبير من المشتركين في «هآرتس» اشتراكاتهم، واشتدت الدعوة إلى مقاطعتها، وتعرض الصحفي فيها جدعون ليفي إلى تهديدات يومية بالقتل، وخصوصا بعد أن سأل الطيارين الذين يلقون أطنانا من المتفجرات: (هل نظرتم في عيون ضحاياكم، وهل فكرتم لحظة قبل أن تضغطوا أزرار الموت والتدمير، وكيف نمتم بعد كل ذلك؟). لم يجب أحد عن السؤال بطبيعة الحال، لأن الجميع منغمسون فى التحريض على مزيد من الإجرام. وهذا هو حال الفاشيين دائما. وحسبي الله ونعم الوكيل.