عندما رحل الموسيقار محمد شفيق عن دنيانا في شهر رمضان المبارك 1432 وتحديدا في فجر الأربعاء العاشر من رمضان، أي أنه سجل الغياب عن الحياة إلى العاشر من رمضان الماضي 3 سنوات (رحمه الله)، بذلك يكون رحيل الموسيقار محمد شفيق في ذكرى يوم من أيام العرب الحديثة، أيام الانتصارات العربية في العاشر من رمضان 1393 / 1973 حرب 6 أكتوبر. كذلك كان من المصادفات أن ترحل إلى الآخرة في نفس الليلة نجمة السينما المصرية الكبيرة هند رستم حيث كان الفارق بين المنيتين فقط بضع ساعات. وجاءت وفاة محمد شفيق بعد نحو ثلاث سنوات من معاناته مع مرض عضال حير كثيرا من الأطباء في المملكة ومصر وألمانيا، إلى أن شخص بمرض أعصاب نادر الحدوث يصيب الشرايين والأوردة ويضعف ويوهن الشرايين ويزم بنية الإنسان، الأمر الذي سبب تناقصا في وزنه (رحمه الله) بشكل ملحوظ جدا منذ شهر شوال 1430 عندما أدخل المستشفى التخصصي بجدة، ومن ثم كان تردده على العديد من المستشفيات في الداخل والخارج. ومحمد شفيق محمد رفيق جهتاي من مواليد جدة في 2/2/1948م، وأيضا يذكرنا هذا التاريخ 1948 بنكبة العرب الكبرى واحتلال فلسطين، تزوج شفيق مرتين، له من الزواج الأول ابنة واحدة (أنغام)، ومن الزواج الأخير ابن واحد (عبدالله)، وأربع بنات (ألحان، أسرار، أزهار، وأشعار) وهذه الأخيرة اسمها الأصلي في الوثائق «سعادة» على اسم والدته، إلا أن إصرار شقيقاتها استوجب تغيير الاسم ليتوافق وأسمائهن موسيقيا. شفيق واحد من أنجح الفنانين السعوديين الذين تعاملوا مع الموسيقى أكاديميا، فهو خريج المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة، ويدين بالفضل للموسيقار المصري الكبير شعبان أبو السعد الذي كان يؤمن بموهبة شفيق الموسيقية وكان يصر عليه المواصلة حتى في حالات التردد من المواصلة وهي حالات عاشها محمد شفيق كثيرا كما قال لي شخصيا: «نعم كنت قد قررت كثيرا التوقف عن دراسة الموسيقى أكاديميا رغم حبي الكبير للفن والموسيقى بالذات والتي كنت قد بدأت دراستها مبكرا في الابتدائية (الثغر النموذجية) بجدة، وكانت تلك الرغبة تأتيني أحيانا لشعوري بأنه لا مستقبل لدراسة الموسيقى، وعلى نحو خاص تملكني ذلك الشعور والرغبة بالعودة إلى المملكة في العام 1973 أي بعد حرب أكتوبر، حيث كان الكثيرون من أهلي وأصدقائي قد اتجهوا للعمل والاستثمار والأراضي وغيرها ل «جريان الفلوس» في البلد وارتفاع المؤشر الاقتصادي وارتفاع المدخول لدى الفرد السعودي، قلت في نفسي يجب أن أعود، وكان ذلك واقعا لا بد أن يتم لولا العم شعبان أبو السعد الذي كان يجبرني على المواصلة رحمه الله». مثل هذا الأمر لو تم وابتعد عن دراسة الموسيقى، كنا بلا شك قد خسرنا علما كبيرا في موسيقانا السعودية. والراحل من الأسماء التي مثلت المملكة رسميا في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الموسيقية، ولعل من أهم هذه المناسبات، تمثيل المملكة في المجمع الموسيقي العربي في اجتماعات بغداد 1983 1984م (1403 1404ه)، وهو العام نفسه الذي اختير فيه العميد طارق عبدالحكيم رئيسا للمجمع، كما حصل في عام 1999، إلى جانب عدد من زملائه الموسيقيين السعوديين والعرب، على درع الرواد العرب التقديري من مهرجان الرواد الذي نظمته الجامعة العربية في القاهرة، وشارك في مؤتمر الموسيقى التقليدية في دول مجلس التعاون الذي أقيم في دولة قطر 1996م. شفيق عرف برعايته وتقديمه للمواهب في مجال الموسيقى والغناء. مع طلال مداح ومما يذكر أن شفيق في سنين عمره الأخيرة كان قد قرر في غير مرة ترك التلحين في التعامل الغنائي العاطفي والتفرغ للألحان الدينية والأغنيات الوطنية، إلا أن الظروف لم تساعده على ذلك، ثم قرر مرة الاستقرار نهائيا في المدينةالمنورة آخر أيامه، أيضا لم يستطع، حيث كلف بالإشراف على ألبوم زميله الراحل طلال مداح «أسبوع» وهو الذي أدخل طلال مداح صوته عليه في ستوديو المنصور بجدة، وكانت «عكاظ» حاضرة إلى جانب النجمين الراحلين والناقد الدكتور خالد الكندي من الإمارات العربية المتحدة. ولمحمد شفيق مع طلال الكثير من الأعمال التي جمعتهما عاطفيا ووطنيا، منها لحن بداياته شابا مع طلال مداح ومن أشعار ثريا قابل (ياشوق طير بيار ورح)، (فاتر اللحظ) للأمير بدر بن عبدالمحسن، (شبل الأسود) لسعود سالم، (أحبابك سروا) أشعار بدر، (في ساعتي) لعبداللطيف آل الشيخ، (أسبوع) لأسير الشوق، (يسعدك) لعبدالله الجودي. مع محمد عبده أما محمد عبده فكانت بينهما توأمة كبيرة أثمرت الكثير من الأعمال الغنائية الكبيرة التي أثبتت ديناميكية وفن وأكاديمية محمد شفيق الموسيقية والتي أذكر منها أنني كنت أحضر معهما في ستوديو محمد عبده بجدة، لتسجيل أربع أغنيات وطنية لتلحق في اليوم التالي وسائل الإعلام المختلفة مذاعة مع افتتاح جلسات إحدى القمم الخليجية، وكان من أبرز أعمالهما المشتركة لإبراهيم خفاجي (يقول المعتني في القلب نارين، الله يمسيك بالخير، قل لي وش علامك، وغيرها). ولمحمد طلعت رحمه الله (الساعات الحلوة)، وللأمير فهد بن محمد (قولوا لأهل ذيك المرابع والديار)، ولسعود سالم (سلم عليا بعينك)، وللأمير سعود بن عبدالله (باسافر وأترك الديرة، حنا جنود)، وللأمير محمد العبدالله الفيصل (هبوب الجنة، مدها يمناك، حبيبتي).